ذكر هذه الآية التنبيه والإشارة إلى شرف العقل ، وانّه مدرك مفصّل الآيات ، وأنّه المقصود في الخطاب ۱ .
ويحتمل أن يكون إشارة إلى المقاصد والبراهين المذكورة في الآيات السالفة يعني أنّا نفصّل مثل هذه الآيات اللطيفة والبيّنات العظيمة لقوم عقلاء من أهل العلم والمعرفة ؛ لأنّهم مشفّعون بها دون غيرهم ، فيكون لام «لقوم» للاختصاص .
قال عليه السلام : يا هشام ! ثمّ وعظ . [ ص۱۴ ح۱۲ ]
أقول : أي اللّه سبحانه .
اعلم أنّ كمال الجوهر الناطق منوط بأمرين : الإحاطة بالمعلومات ، والتنزّه عن التعلّقات ، فالزهد عبارة عن قطع التعلّق بالدنيا عن النفس ، لا عن قطع الدنيا أو انقطاعها بالموت وشبهه مع بقاء المتعلّق .
وقوله : « ثمّ » وهو للتراخي ، يعني أنّه بعد ما أرشد أهل العقل طريقَ العلم ومسلك البرهان ، وبيّن لهم سبيل الآيات الدالّة على التوحيد والإيمان ، زهّدهم عن الدنيا ورغّبهم في الآخرة بموعظة الخطاب ؛ إذ ۲ يكفي الخطابيّات فيما يتعلّق بلواحق ما علم بالبرهانيّات ، فقال سبحانه ترغيباً لهم في الآخرة : « وَمَا الْحَيَوةُ الدُّنْيَآ إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ »۳ .
وهذه مقدّمة خطابيّة استعملت للاستدلال بها على وجوب الرغبة في الآخرة .
ثمّ إنّه لا منافاة بين كونها خطابيّة وبين كونها ثابتة حقّة بحسب الواقع كالجدل ، فإنّه مركّب من مقدّمات كلُّها أو بعضها مشهورة ، ومع ذلك لا ينافي أن تكون حقّة في أنفسها .
وإنّما قلنا ذلك لأنّ الدنيا باطلة لاحقيقة لها عند كثير من أهل الحكمة لكنّ أكثر الناس لا يمكنهم تعقّله من طريق العلم واليقين ، فلا منافاة بين كونها حقّة في الواقع