17
مراقبات شهر رمضان

رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ » . 1
وفي الحديث النَّبوي الشريف :
« لَو أنَّ الدُّنيا كانَت تَعدِلُ عِندَ اللّهِ عز و جل جَناحَ بَعُوضَةٍ ما سَقَى الكافِرَ وَالفاجِرَ مِنها شَربَةً مِن ماءٍ » . 2
لقد استضاف اللّه ـ جلّ جلاله ـ نفوس أحبّائه وأرواحهم في ضيافته الرمضانية ، وليس أبدانهم وقوامهم المادّي ، وهذه ضيافة لا يرقى إلى إدراك قيمتها أحد سواه ، ومن هنا قال اللّه ـ سبحانه وتعالى ـ :
« الصَّومُ لي وَأنَا أجزي بِهِ » . 3
لابدَّ أن تأتي شروط هذه الضيافة وآدابها متوائمة مع ضيافة النفس ، ولابدَّ أن يكون الطعام والشراب فيها من سنخ ضيافة الروح ، وأن يكون الهدف المرجوّ منها هو إيجاد التحوّل الروحي وتجديد الحياة المعنوية للإنسان وتقوية بنيته الروحية .
في هذا السياق ما أروع ما كتبه العالم الرباني الشيخ رضا ابن الفقيه والفيلسوف والعارف الجليل الشيخ محمّد حسين الإصفهاني طاب ثراهما ، وهو يقول في « الرسالة المجدية » عند شرح النبوي الشريف « شهر دعيتم فيه إلى ضيافة اللّه ، وجعلتم فيه من أهل كرامة اللّه » ما نصّه :
« اعلم أنّ هذه الضيافة ليست استضافة الجسد ، وأنَّ بدنك ليس هو المدعوّ لهذه الضيافة ، فأنت تسكن في شهر رمضان في البيت نفسه الّذي كنت تسكن فيه في شهر شعبان ، وطعامك فيه هو الخبز والمرق نفسه الّذي كنت تتناوله بقية شهور السنة وأنت ممنوع منه في أيّام هذا الشهر ، إنّما المدعوّ لهذه الضيافة هي نفسك الّتي دعيت إلى منزل آخر وإلى أطعمة اُخرى روحيّة تتواءم مع الروح ومهيأة من سنخها .

1.الزخرف : ۳۳ ـ ۳۵ .

2.الأمالي للطوسي : ص ۵۳۱ ح ۱۱۶۲ ؛ سنن الترمذي : ج ۴ ص ۵۶۰ ح ۲۳۲۰ .

3.راجع : ص ۴۹ (الصوم للّه ) .


مراقبات شهر رمضان
16

الأوقات كلّها هُم ضيوف اللّه ونازلين في رحابه ؟
فضلاً عن أنّ قوام الضيافة هي بالطعام والشراب الّذي يهيّئه صاحب الضيافة للضيف ، فما عساها أن تكون هذه الضيافة الّتي يأتي الامتناع عن تناول الطعام والشراب في أوّل شروطها ؟ !
يأتي الجواب على هذه الأسئلة من واقع تحليل حقيقة الإنسان ومعرفة مكوّناته ، فالإنسان في الرؤية الإسلامية مركّب يتألّف من جسم وروح ، فكما يحتاج الجسم إلى الأغذية المادية الّتي تمدّه بقوام ديمومته ، كذلك تحتاج هوية الإنسان وحقيقته الإنسانية إلى أغذية معنوية من سنخها .
على هذا الضوء يتبيّن أنَّ اللّه سبحانه لم يهيّئ الضيافة الرمضانية لاستضافة أجسام أحبّائه وما به قوام وجودهم المادي ، فأبدان هؤلاء ـ كما جميع الخلق ـ في ضيافة اللّه دائما وأبدا . وبتعبير شاعر شيراز :

فرش الأرض سفرةً للجميع وحباها بطيّبات الربيعفإذا بالخوان يطعمُ منه كلّ عاصٍ وكلّ عبدٍ مطيع 1
بل أنَّ أعداء اللّه غالبا ما يستفيدون من هذه المائدة الممتدّة أكثر من غيرهم ، ممّا يشير إلى أن استضافة الجسم وتأمين المتطلّبات المادية ليس بالأمر المهمّ الذي يرتقي إلى مصاف القضايا المعنويّة ، خاصّةً وأن القرآن الكريم يسجّل صراحةً بأنّه لولا الخشية على الناس من جنوحهم إلى الكفر كافّة ، لحظي الكافر بأعلى الإمكانات المادية وأرفعها :
« وَ لَوْلاَ أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَ حِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَـنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفا مِّن فِضَّةٍ وَ مَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَ لِبُيُوتِهِمْ أَبْوَ با وَ سُرُرا عَلَيْهَا يَتَّكِـونَ * وَ زُخْرُفا وَ إِن كُلُّ ذَ لِكَ لَمَّا مَتَـعُ الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَ الْأَخِرَةُ عِندَ

1.ما في المتن ترجمة نثرية للبيت الآتي من الشعر الفارسي من : بوستان سعدي : ص ۳ اديم زمين سفره عام اوستبر اين خوان يغما چه دشمن چه دوست

  • نام منبع :
    مراقبات شهر رمضان
    سایر پدیدآورندگان :
    الافقی، رسول
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 68094
صفحه از 308
پرینت  ارسال به