19
مراقبات شهر رمضان

ولا تظنّنَّ أنَّ تعبيرات هذا العبد هي من قبيل خيالات الشعراء وأوهامهم ، أو من شطيّحات غلاة المتصوّفة ، فحاشى أن أتجاوز لسان الكتاب والسنّة ، أو أتخطّى في معتقدي غير ما جاء به اللّه والنَّبي وأمرا به ، وإنّما المقصود هو قول اللّه نفسه في سورة هل أتى حيث يقول سبحانه : « وَ سَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابا طَهُورا » » . ۱
انطلاقا من هذه الرؤية لضيافة رمضان وللضيافة الإلهية في هذا الشهر الكريم ، توزّعت معالم الكتاب الّذي بين أيديكم إلى خمسة أقسام ، على النحو الّذي ستتمّ الإشارة إليه :

القسم الأوّل : فضائل شهر اللّه

توفّر القسم الأول من هذا الكتاب ، على دراسة فضائل الّتي تحظى بها الضيافة الرمضانية وقيمة هذه الضيافة من منظور الإسلام ، فمن خلال مادة هذا القسم يخرج الباحث عموما بمعرفة إجمالية لخصائص هذه الضيافة وبركاتها ، كما نهض الفصل الرابع من فصول هذا القسم ببيان الآثار السلبية الّتي تُلمّ بمن يُحرَم مِن بركات هذا الشهر ، ورصد التبعات المدمّرة الّتي تحيط بمن يخسر حظّ هذه الضيافة .

القسم الثّاني : التهيّؤ لضيافة اللّه

بديهي لا يستطيع الإنسان أن ينفذ إلى عالم الضيافة الإلهية وينعم بها في سبيل تجديد الحياة المعنوية ، الّتي تعدّ بدورها النقطة الأساسية لفلسفة خلق الإنسان والذروة القصوى المرجوّة لوجوده ؛ من دون أن يتوفّر على الاستعدادات اللازمة والمؤهّلات الضرورية لولوج هذا المضمار .
والبحث عن هذه الاستعدادت ورصد شروط التهيّؤ للضيافة والتأهّل لها ، هي

1.جامع الدرر ، للعالم الرباني أُستاذ الأخلاق حجّة الإسلام والمسلمين السيّد حسين فاطمي رضوان اللّه عليه : ص ۳۳۵ و ص ۳۳۷ نقلاً عن الرسالة المجديّة .


مراقبات شهر رمضان
18

إنّ الدعوة إلى شهر رمضان دعوة إلى الجنّة ، وأطعمة هذه الضيافة من جنس أطعمة الجنّة ، والاثنان هما مَضيفا اللّه ، لكن اسم المَضيف هنا شهر رمضان ، واسمه هناك غرف الجنان ، هنا غيبٌ ، وهناك مشاهدةٌ وعَيانٌ ، هنا تسبيحٌ وتهليل ، وهناك عين سلسبيل ، وهنا نِعمٌ مستورة ومواهب مخزونة ، وهناك : « فَـكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَ لَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ » . ۱ فالنِعَم تبرز في كلّ عالم بلباس ذلك العالم ، وقد يحصل أحيانا أن تظهر للأنبياء والمعصومين في هذه الدنيا بصورتها الأخروية ، وما جاء في أخبار كثيرة من أنَّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله جاء للصّديقة الطاهرة [ فاطمة ] عليهاالسلام أو للحسنين عليهماالسلامبفاكهة من فاكهة الجنّة أو بحلل من حللها ، لدليل على هذا المطلب .
أكثر من ذلك ، ربّما حصلت هذه الاُمور لخواصّ الشيعة أيضا تبعا لسعتهم الوجودية والمرتبة الّتي يحظون بها ، فقد سمعت مرّات وكرات ممّن هو أقرب الناس إليّ حسبا ونسبا ۲ ، أنه يقول : كنت في أحد أيّام شهر رمضان مشغولاً بالزيارة المعروفة ب زيارة أمين اللّه في المرقد الشريف بالنجف ، وحين وصلت بعبارات الزيارة إلى : وموائد المستطعمين معدّةٌ ، ومناهل الظماء لديك مترعةٌ ، وفيما أنا أتأمّل بمعناها وأفكّر به ، تراءت لي فجأة مائدة مصفوف عليها أنواع الأطعمة والأشربة ممّا لم أكن أتصوّره قطّ ، وأنا أتناول من طعامها ، وفي تلك الأثناء كنت أفكّر بمسألة فقهية ، إنّها حالة عجيبة تبعث على الدهشة ! الواقع أن هذه هي حقيقة الغذاء ، وهي ليست مفطرة للصوم ... .
الشراب الطهور في الحياة الدنيا هو محبّة اللّه ، والوقت الأفضل الّذي يغتنم لتحصيله هو هذه الضيافة الّتي يكون فيها الساقي هو المضيّف نفسه،

1.الواقعة : ۲۰ و ۲۱ .

2.يبدو أنّ من يقصده بذلك ، هو والده الجليل الشيخ محمّد حسين الإصفهاني قدس سره .

  • نام منبع :
    مراقبات شهر رمضان
    سایر پدیدآورندگان :
    الافقی، رسول
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 67440
صفحه از 308
پرینت  ارسال به