225
مراقبات شهر رمضان

يحدث ويفرق فيها كلّ أمر إلى مثلها ، وربما لهذه الجهة بالذات نزل القرآن الكريم في هذه اللّيلة ؛ هذا الكتاب الّذي يعدّ بدوره برنامج حياة الإنسان .
انطلاقا من هذا المعنى ، بمقدور الإنسان أن يغيّر مصيره ومسار حياته في ليلة القدر عبر استثمار البرنامج الّذي رسمه له القرآن ، ويستحوذ لسنته المقبلة على أفضل المقدّرات ، ويحقّق لنفسه أغنى المكاسب وأكثرها عطاءً ونفعا ، على أنَّ هاهنا ملاحظتين حريّتين بالانتباه ، هما :
الملاحظة الاُولى : إنَّ تقدير مصير الإنسان في ليلة القدر يأتي في سياق مقدّراته في العلم الأزلي للّه سبحانه ، بعبارة أُخرى ، تفيد روايات أهل البيت عليهم السلام ، أنَّ ما هو مقدَّر للناس في علم الحق سبحانه خلال السَّنة ، يبرز بصيغة برنامج مكتوب تكتبه الملائكة ويسلّم إلى إمام العصر بواسطتهم ؛ وذلك تبعا لما يقوم به الإنسان في ليلة القدر .
الملاحظة الثانية : يفيد عدد من الروايات بأنَّ تقدير مصير الإنسان خلال ليلة القدر وتدبير ما سيكون عليه أمره خلال سنة كاملة ، لا يعني استسلامه للمصير ، بحيث لن يكون بمقدوره أن يغيّر شيئا من اُموره ومستقبله ، بل بمقدوره أن يغيّر من مقدّراته القطعيّة في ليلة القدر عبر لجوئه إلى الدعاء وتوسّله بالأعمال الصالحة ، ولذلك كلّه جاء عن الإمام الباقر عليه السلام ، قوله :
« فَما قُدِّرَ في تِلكَ اللَّيلَةِ وقُضِيَ فَهُوَ مِنَ المَحتُومِ ولِلّهِ عز و جل فيهِ المَشِيَّةُ »۱.
عندما نأخذ بنظر الاعتبار هذه الرواية وما يقع على شاكلتها ۲ ، ونضيف إلى ذلك الأدلّة القطعية الّتي تفيد إجابة الدعاء طوال السنة خاصّةً في عرفات ، وفي المشاهد المشرّفة ، فلا يمكن عندئذٍ قبول ظاهر بعض الروايات الّتي تنصّ على أنَّ مقدّرات ليلة القدر لا ينالها التحوّل والتغيير ۳ .

1.ثواب الأعمال : ص ۹۲ ح ۱۱ ، بحار الأنوار : ج ۹۷ ص ۱۹ ح ۴۱ .

2.راجع : شهر اللّه في الكتاب والسنّة ص ۴۰۵ ، ح ۶۲۰ و ۶۲۱ ، وص ۴۰۸ ، ح ۶۲۹ .

3.راجع : شهر اللّه في الكتاب والسنّة ص ۴۰۵ ، ح ۶۱۹ ، وص ۴۰۸ ، ح ۶۲۸ .


مراقبات شهر رمضان
224

الحقيقي لليلة القدر هو أمر شاقّ تكتنفه صعوبات جمّة ، وأنَّ هذا المعنى هو فوق المستوى الإدراكي لعامّة الناس . بديهي إذا كان المخاطب بالآية هو رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فسيكون الاستفهام في قوله : « مَآ أَدْرَاكَ » لتعظيم ليلة القدر وتكريمها على ما يظهر ، مردّ ذلك ، أنَّ من نزل القرآن على قلبه ، ومن روحه موضع ليلة القدر ، وتهبط عليه الملائكة لتدبير اُمور العالم وتقدير شؤونه ، لا يمكن أن يكون جاهلاً بحقيقة ليلة القدر .
أكثر من ذلك ، قد تتيسّر مشاهدة حقيقة ليلة القدر ولو بقدر لعدد من أهل السير والسلوك ، عبر انتفاعهم من تعاليم أهل البيت عليهم السلام في هذا المجال . لقد عرض العالم الرباني آية اللّه ملكي تبريزي للسؤال التالي : « مامعنى رؤية ليلة القدر ، وما معنى لذّته ؟ » ثُمَّ أجاب عليه بما يلي : « رؤية ليلة القدر عبارة عن كشف ما يقع فيها من نزول الأمر إلى الأرض ، كما يُكشف لإمام العصر عليه السلام في اللّيلة » ۱ .
على أنَّ رؤية هذه الحقيقة والارتقاء إليها أمر عظيم وشأن جليل ، وهو كما وصفه الإمام الصادق عليه السلام بقوله :
« إنَّ القَلبَ الَّذي يُعايِنُ ما يُنزَلُ في لَيلَةِ القَدرِ لَعَظيمُ الشَّأنِ »۲.
بيد أنَّ الإسلام لم يترك الناس هَمَلاً على هذا الصعيد ، فمن أجل أن ينعم عامّة الناس بمعرفة إجمالية عن معنى ليلة القدر ، اضطلعت النصوص الإسلامية بتصوير ملامح لهذه الحقيقة ، عبر بيان خصائص تلك اللّيلة وتلمّس فضائلها ، ممّا سنطلّ على أمثلة له في النقطة التالية .

2 . خصائص ليلة القدر

أ ـ تقدير اُمور السَّنة

جاء التأكيد في عدد كبير من الروايات أنَّ أول خصائص هذه اللّيلة ، هو تقدير اُمور الناس وتدبير أحوالهم وأوضاعهم خلال السَّنة ، وهي اللّيلة الّتي ينزل فيها ما

1.المراقبات : ص ۱۳۷ . انظر تمام كلامه قدس سره .

2.بصائر الدرجات : ص ۲۲۳ ص ۱۴ ، بحارالأنوار : ج ۹۷ ص ۲۰ ح ۴۵ .

  • نام منبع :
    مراقبات شهر رمضان
    سایر پدیدآورندگان :
    الافقی، رسول
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 55688
صفحه از 308
پرینت  ارسال به