يبدو أنَّ هذا المطلب مستمدّ من حديث تكلّم فيه النَّبي صلى الله عليه و آله إلى أبي ذرّ ، ذكر فيه بالتفصيل أفضلية العلم وتفوّقه على العبادة ، جاء في آخره :
« يا أبا ذَرٍّ الجُلوسُ ساعَةً عِندَ مُذاكرَةِ العِلمِ خَيرٌ لَك مِن عِبادَةِ سَنَةٍ صِيامِ نَهارِها وَقِيامِ لَيلِها » . ۱
على أنَّ المدوّنات الروائية تضمّ بالإضافة إلى هذا الحديث عددا كبيرا من الروايات الصادرة عن أهل البيت عليهم السلام ۲ ، ممّا له دلالة على أنَّ طلب العلم يفوق العبادة ويرجّح عليها بمراتب ، لإضاءة هذه المسألة بالمزيد من الإيضاحات ، من الضروري الانتباه إلى الاُمور التالية :
أ ـ أيّ علم وأيّ عبادة ؟
حسبا للرّؤية الفقهية لعمليّة التّعلم خمسة احكام ، والتأمّل في نصوص الأحاديث الّتي ترجّح العلم على العبادة يشير بوضوح ، أنَّ المقصود هو ترجيح التعلّم الواجب أو المستحبّ على العبادات المستحبّة ۳ .
ب ـ دور العبادة في انبثاق نور العلم
للعبادات من منظور النصوص الإسلامية دورها الأساسي الّذي تنهض به في انبثاق نور العلم ودوامه ۴ ، من هذا المنطلق لا تهدف الأحاديث الّتي ترجّح العلم على العبادات تضعيف العبادة أو إنكار دورها الإيجابي الفاعل الّذي تقوم به إلى جوار العلم ، وإنّما تبتغي التركيز على تقارن العبادة مع العلم وأنّهما توأمان ، ومن ثَمَّ فهي تأتي في سياق التحذير من العبادة الجاهلة الّتي لا يسندها العلم ، فمثل هذه
1.جامع الأخبار : ص ۱۰۹ ح ۱۹۵ ، بحار الأنوار : ج ۱ ص ۲۰۳ ح ۲۱ .
2.راجع : العلم والحكمة في الكتاب والسنة : ص ۲۱۸ « فضل طلب العلم على العبادة » .
3.لتوضيح هذه النقطة والّتي تليها أكثر ، راجع : العلم والحكمة في الكتاب والسنة : ص ۲۲۳ « تنبيهات حول فضل العلم على العبادة » .
4.راجع : العلم والحكمة في الكتاب والسنة : ص ۱۴۵ ـ ۱۵۴ «مبادئ الإلهام » .