اللّهُمَّ وأنتَ جَعَلتَ مِن صَفايا تِلكَ الوَظائِفِ ، وخَصائِصِ تِلكَ الفُروضِ شَهرَ رَمَضانَ الَّذي اختَصَصتَهُ مِن سائِرِ الشُّهورِ ، وتَخَيَّرتَهُ مِن جَميعِ الأَزمِنَةِ وَالدُّهورِ ، وآثَرتَهُ عَلى كُلِّ أوقاتِ السَّنَةِ بِما أنزَلتَ فيهِ مِنَ القُرآنِ وَالنّورِ ، وضاعَفتَ فيهِ مِنَ الإِيمانِ ، وفَرَضتَ فيهِ مِنَ الصِّيامِ ، ورَغَّبتَ فيهِ مِنَ القِيامِ ، وأجلَلتَ فيهِ مِن لَيلَةِ القَدرِ الَّتي هِيَ خَيرٌ مِن ألفِ شَهرٍ .
ثُمَّ آثَرتَنا بِهِ عَلى سائِرِ الاُمَمِ ، وَاصطَفَيتَنا بِفَضلِهِ دونَ أهلِ المِلَلِ ، فَصُمنا بِأَمرِكَ نَهارَهُ ، وُقمنا بِعَونِكَ لَيلَهُ مُتَعَرِّضينَ بِصِيامِهِ وقِيامِهِ لِما عَرَّضتَنا لَهُ مِن رَحمَتِكَ ، وتَسَبَّبنا إلَيهِ مِن مَثوبَتِكَ . وأنتَ المَليءُ بِما رُغِبَ فيهِ إلَيكَ ، الجَوادُ بِما سُئِلَت مِن فَضلِكَ ، القَريبُ إلى مَن حاوَلَ قُربَكَ .
وقَد أقامَ فينا هذَا الشَّهرُ مُقامَ حَمدٍ ، وصَحِبَنا صُحبَةَ مَبرورٍ ، وأربَحَنا أفضَلَ أرباحِ العالَمينَ ، ثُمَّ قَد فارَقَنا عِندَ تَمامِ وَقتِهِ وانقِطاعِ مُدَّتِهِ ، ووَفاءِ عَدَدِهِ ، فَنَحنُ مُوَدِّعوهُ وَداعَ مَن عَزَّ فِراقُهُ عَلَينا ، وغَمَّنا وأوحَشَنَا انصِرافُهُ عَنّا ، ولَزِمَنا لَهُ الذِّمامُ المَحفوظُ وَالحُرمَةُ المَرعِيَّةُ ، وَالحَقُّ المَقضِيُّ ، فَنَحنُ قائِلونَ :
السَّلامُ عَلَيكَ يا شَهرَ اللّهِ الأَكبَرَ ويا عيدَ أولِيائِهِ .
السَّلامُ عَلَيكَ يا أكرَمَ مَصحوبٍ مِنَ الأَوقاتِ ، ويا خَيرَ شَهرٍ في الأَيّامِ وَالسّاعاتِ .
السَّلامُ عَلَيكَ مِن شَهرٍ قَرُبَت فيهِ الآمالُ ، ونُشِرَت فيهِ الأَعمالُ .
السَّلامُ عَلَيكَ مِن قَرينٍ جَلَّ قَدرُهُ مَوجوداً ، وأفجَعَ فَقدُهُ مَفقوداً ومَرجُوٍّ آلَمَ فِراقُهُ .
السَّلامُ عَلَيكَ مِن أليفٍ آنَسَ مُقبِلاً فَسَرَّ ، وأوحَشَ مُنقَضِياً فَمَضَّ .
السَّلامُ عَلَيكَ مِن مُجاوِرٍ رَقَّت فيهِ القُلوبُ ، وقَلَّت فيهِ الذُّنوبُ .
السَّلامُ عَلَيكَ مِن ناصِرٍ أعانَ عَلَى الشَّيطانِ ، وصاحِبٍ سَهَّلَ سُبَلَ الإِحسانِ .