بنفسها إلى أرضية لانهمار ألطاف اللّه عليهم وشمولهم بها ، وحينئذٍ فإنَّ ما جاء في الأحاديث من تصفيد الشياطين ، وغلّها في هذا الشهر إنّما هو إشارة لهذا المعنى .
بعبارة اُخرى ، إنَّ اللطف الإلهي ليس جزافا حتّى يصحّ السؤال : لماذا لم يمنع سبحانه سلطة الشياطين ويحول بينها وبين الإنسان في بقيّة الشهور ؟ كلاّ ، إنّما ينشأ مبدأ التوفيق الرباني واللطف الإلهي من واقع اختيار الإنسان نفسه ، ودخوله في رحاب الضيافة الرمضانية .
2 . علّة عدم الانتفاع من غلّ الشياطين
في إطار التحليل الّذي مرَّ ، فيما يفيده من أنَّ الشياطين تفقد سلطتها على الإنسان في هذا الشهر على الأقل بالنسبة إلى الصائمين ، ينبثق السؤال الرئيسي الثاني في هذا المضمار ، متمثّلاً بما نراه من غفلة الصائمين وابتلائهم بالخطايا والذنوب في هذا الشهر أحيانا ، كما يدلّ عليه تشريع الكفّارات الّذي جاء لعلاج هذه الحالات ، يصوّر السيّد ابن طاووس رحمه الله هذه المفارقة ، بقوله :
«سألني بعض أهل الدين ، فقال : إنّني ما يظهر لي زيادة انتفاع بمنع الشياطين ، لأنَّني أرى الحال الّتي كنت عليها من الغفلة قبل شهر رمضان ، كأنّها على حالها ما نقصت بمنع أعوان الشيطان ...» . ۱
يمكن تقديم جوابين لهذا السؤال ، هما :
الجواب الأول : ليس الشيطان السبب الوحيد للذنوب
يتركز الجواب الأوّل حول معنى يفيد بأنَّ ما يصدر عن الانسان من خطايا وذنوب لا يرتبط بالشيطان وحدَه ولا ينشأ عن إغوائه وحسب ، بل له منشآن رئيسيان آخران ، هما : النفس الأمّارة ، والرين المتراكم من تبعات الذنوب السابقة