بعبارة اُخرى ، يمكن القول إنَّ ضيافة اللّه في هذه المدّة الزمنية والأغذية المعنوية الخاصّة الّتي أعدّها سبحانه لضيوفه في هذه الضيافة ، هي منشأ التحوّلات المعنوية العميقة الّتي تطرأ على حياة الإنسان في هذا الشهر الفضيل ، وهي مائدة مفتوحة للجميع يصيب من ينهل منها بركات عظيمة تنأى على الحصر .
معنى ضيافة اللّه
في طليعة الأسئلة الّتي تحفّ بهذه الخصيصة البارزة ، ما يرتبط بمعنى ضيافة اللّه سبحانه لأحبّائه في شهر رمضان وما المقصود من ذلك ؟ أليس الناس جميعا وفي الأوقات كلّها هُم ضيوف اللّه ونازلين في رحابه ؟
فضلاً عن أنّ قوام الضيافة هي بالطعام والشراب الّذي يهيّئه صاحب الضيافة للضيف ، فما عساها أن تكون هذه الضيافة الّتي يأتي الامتناع عن تناول الطعام والشراب في أوّل شروطها ؟ !
يأتي الجواب على هذه الأسئلة من واقع تحليل حقيقة الإنسان ومعرفة مكوّناته ، فالإنسان في الرؤية الإسلامية مركّب يتألّف من جسم وروح ، فكما يحتاج الجسم إلى الأغذية المادية الّتي تمدّه بقوام ديمومته ، كذلك تحتاج هوية الإنسان وحقيقته الإنسانية إلى أغذية معنوية من سنخها .
على هذا الضوء يتبيّن أنَّ اللّه سبحانه لم يهيّئ الضيافة الرمضانية لاستضافة أجسام أحبّائه وما به قوام وجودهم المادي ، فأبدان هؤلاء ـ كما جميع الخلق ـ في ضيافة اللّه دائما وأبدا . وبتعبير شاعر شيراز :
فرش الأرض سفرةً للجميع وحباها بطيّبات الربيعفإذا بالخوان يطعمُ منه كلّ عاصٍ وكلّ عبدٍ مطيع۱
بل أنَّ أعداء اللّه غالبا ما يستفيدون من هذه المائدة الممتدّة أكثر من غيرهم ،