21
شهر الله في الكتاب و السنّة

لسعتهم الوجودية والمرتبة الّتي يحظون بها ، فقد سمعت مرّات وكرات ممّن هو أقرب الناس إليّ حسبا ونسبا ۱ ، أنه يقول : كنت في أحد أيّام شهر رمضان مشغولاً بالزيارة المعروفة ب زيارة أمين اللّه في المرقد الشريف بالنجف ، وحين وصلت بعبارات الزيارة إلى : وموائد المستطعمين معدّةٌ ، ومناهل الظماء لديك مترعةٌ ، وفيما أنا أتأمّل بمعناها وأفكّر به ، تراءت لي فجأة مائدة مصفوف عليها أنواع الأطعمة والأشربة ممّا لم أكن أتصوّره قطّ ، وأنا أتناول من طعامها ، وفي تلك الأثناء كنت أفكّر بمسألة فقهية ، إنّها حالة عجيبة تبعث على الدهشة ! الواقع أن هذه هي حقيقة الغذاء ، وهي ليست مفطرة للصوم ... .
الشراب الطهور في الحياة الدنيا هو محبّة اللّه ، والوقت الأفضل الّذي يغتنم لتحصيله هو هذه الضيافة الّتي يكون فيها الساقي هو المضيّف نفسه، ولا تظنّنَّ أنَّ تعبيرات هذا العبد هي من قبيل خيالات الشعراء وأوهامهم ، أو من شطيّحات غلاة المتصوّفة ، فحاشى أن أتجاوز لسان الكتاب والسنّة ، أو أتخطّى في معتقدي غير ما جاء به اللّه والنَّبي وأمرا به ، وإنّما المقصود هو قول اللّه نفسه في سورة هل أتى حيث يقول سبحانه : « وَ سَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا » » ۲ . ۳
انطلاقا من هذه الرؤية لضيافة رمضان وللضيافة الإلهية في هذا الشهر الكريم ، توزّعت معالم الكتاب الّذي بين أيديكم إلى خمسة أقسام ، على النحو الّذي ستتمّ الإشارة إليه :

1.يبدو أنّ من يقصده بذلك ، هو والده الجليل الشيخ محمّد حسين الإصفهاني قدس سره .

2.إشارة إلى حديث الإمام الصادق عليه السلام بشأن الآية ، حيث قال عليه السلام في بيانها : « يطهّرهم عن كلّ شيء سوى اللّه ، إذ لا طاهر مَن تدلَّس بشيء من الأكوان إلاّ اللّه » (مجمع البيان : ۱۰ / ۶۲۳ ، بحار الأنوار : ۸ / ۱۱۳ ) .

3.جامع الدرر ، للعالم الرباني أُستاذ الأخلاق حجّة الإسلام والمسلمين السيّد حسين فاطمي رضوان اللّه عليه : ۳۳۵ و ص ۳۳۷ نقلاً عن الرسالة المجديّة .


شهر الله في الكتاب و السنّة
20

بنيته الروحية .
في هذا السياق ما أروع ما كتبه العالم الرباني الشيخ رضا ابن الفقيه والفيلسوف والعارف الجليل الشيخ محمّد حسين الإصفهاني طاب ثراهما ، وهو يقول في « الرسالة المجدية » عند شرح النبوي الشريف « شهر دعيتم فيه إلى ضيافة اللّه ، وجعلتم فيه من أهل كرامة اللّه » ما نصّه :
« اعلم أنّ هذه الضيافة ليست استضافة الجسد ، وأنَّ بدنك ليس هو المدعوّ لهذه الضيافة ، فأنت تسكن في شهر رمضان في البيت نفسه الّذي كنت تسكن فيه في شهر شعبان ، وطعامك فيه هو الخبز والمرق نفسه الّذي كنت تتناوله بقية شهور السنة وأنت ممنوع منه في أيّام هذا الشهر ، إنّما المدعوّ لهذه الضيافة هي نفسك الّتي دعيت إلى منزل آخر وإلى أطعمة اُخرى روحيّة تتواءم مع الروح ومهيأة من سنخها .
إنّ الدعوة إلى شهر رمضان دعوة إلى الجنّة ، وأطعمة هذه الضيافة من جنس أطعمة الجنّة ، والاثنان هما مَضيفا اللّه ، لكن اسم المَضيف هنا شهر رمضان ، واسمه هناك غرف الجنان ، هنا غيبٌ ، وهناك مشاهدةٌ وعَيانٌ ، هنا تسبيحٌ وتهليل ، وهناك عين سلسبيل ، وهنا نِعمٌ مستورة ومواهب مخزونة ، وهناك : « فَـكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَ لَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ » . ۱ فالنِعَم تبرز في كلّ عالم بلباس ذلك العالم ، وقد يحصل أحيانا أن تظهر للأنبياء والمعصومين في هذه الدنيا بصورتها الأخروية ، وما جاء في أخبار كثيرة من أنَّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله جاء للصّديقة الطاهرة [ فاطمة ] عليهاالسلام أو للحسنين عليهماالسلامبفاكهة من فاكهة الجنّة أو بحلل من حللها ، لدليل على هذا المطلب .
أكثر من ذلك ، ربّما حصلت هذه الاُمور لخواصّ الشيعة أيضا تبعا

1.الواقعة : ۲۰ و ۲۱ .

  • نام منبع :
    شهر الله في الكتاب و السنّة
    سایر پدیدآورندگان :
    الافقی، رسول
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1382
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 108618
صفحه از 628
پرینت  ارسال به