فقال : اُنظروا إلى ما روت أئمّتهم الّذين أخذتم عنهم أديانكم ، ما قالوا في فضائل عليّ عليه السلام ، وقيسوا إليها ما رووا في فضائل العشرة الّذين شهدوا له بالحسنى . قال : فأطرق القوم جميعاً ، فقال لهم المأمون : ما لكم لا تتكلّمون ؟ قالوا : قد استقصينا ولم يبق عندنا من الأحاديث شيئاً ، فالآن قد حصحص الحقّ ، فقال المأمون : أسألكم سؤالاً ، فقالوا له : قل ما شئت ، فقال : أخبروني أيّ الأعمال كانت أفضل يوم بعث اللّه نبيّه بالرسالة ، فقالوا : أفضل الأعمال السبق إلى الإسلام ؛ فإنّ اللّه تعالى قال في كتابه العزيز : « وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ »۱ قال : فهل علمتم أحداً أسبق من عليّ عليه السلام إلى الإسلام ؟ فقالوا : لا ، لكنّه سبَقَ حديثاً ، لم يَجر عليه حكم ولا تكليف ، وأبوبكر أسلم كهلاً وقد جرى عليه الحكم والتكليف ، وبين هاتين الحالتين فرق .
فقال المأمون : أخبروني عن إسلام عليّ : إلهاماً من قبل اللّه تعالى ، أم بدعاء النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم ؟ فإن قلتم : « إلهاماً من اللّه تعالى» ، فقد فضّلتموه على النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم ؛ لأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم لم يلهمه اللّه الإسلام ، بل أتاه جبرئيل داعياً من اللّه ومعرّفاً له بطريق الإسلام ، وإن قلتم : « بدعاء النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم » ، فهل دعاه من قِبل نفسه أو بأمر اللّه تعالى ؟ فإن قلتم : « دعاء النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم من تلقاء نفسه » ، فهذا خلاف ما وصف اللّه تعالى نبيّه في كتابه العزيز حيث قال : « وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ »۲ الآية ، وقوله : « وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى »۳ الآية ؛ وإن كان من قبل اللّه تعالى فقد أمر نبيّه أن يدعوه إلى الإسلام من دون صبيان الناس ، لإثبات الحجّة عليهم ، فدعاه ثقة به وعلماً بتأييد من اللّه إيّاه .
وحجّة اُخرى : أخبروني عن الحكيم : هل يجوز له أن يكلّف خلقه ما لا يطيقونه ؟ فإن قلتم : « نعم » فقد كفرتم ، وإن قلتم : « لا » فكيف يجوز له أن يأمر نبيّه بدعاء لم يمكنه قبول ما يؤمر به ؛ لصغره وحداثة سنّه وضعفه عن القبول ؟
ووجه آخر : هل رأيتم أو سمعتم أنّ النبيّ دعا أحداً من صبيان أهله وقومه أو
1.سورة الواقعة ، الآية ۱۰ و۱۱ .
2.سورة ص ، الآية ۸۶ .
3.سورة النجم ، الآية ۳ و۴ .