إلحاح الملحّين ، العاصم للصالحين ، والموفّق للمُفلحين ، ومولى العالمين ، الّذي استحقّ من كلّ شيء أن يحمده ويشكره ، [ أحمده ]على السرّاء والضرّاء والشدّة والرخاء ، واُؤمن به وبملائكته وكتبه ورسله ، أسمع أمره وأطيع ، واُبادر إلى كلّ ما يرضاه ، وأستسلم لقضائه ، رغبةً في طاعته ، وخوفاً في عقوبته ؛ لأنّه الّذي لا يؤمَن مَكره ، ولا يخاف جوره .
اُقرّ له بالعبوديّة على نفسي ، وأشهد له بالربوبيّة ، واُؤدّي ما أوحى إليّ ؛ حذراً من أن لا أفعل فتحلّ بي منه قارعة لا يدفعها عنّي واحد وإن عظمت حيلته ، لا إله إلاّ هو ؛ لأنّه قد أعلمني إن لم اُبلّغ ما أنزل إليّ فما بلّغت رسالته ، وقد ضمن لي ـ تبارك وتعالى ـ العِصمة ، وهو الكافي الكريم ، فأوحى إليّ : بسم اللّه الرحمن الرحيم « يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ » يعني في الخلافة لعليّ بن أبي طالب عليه السلام « وَإِن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ » . ۱
معاشر الناس ، ما قصّرت في تبليغ ما أنزله ، وأنا مُبيّن لكم هذه الآية ، إنّ جبرئيل عليه السلامأتى مراراً ثلاثاً يأمرني عن السلام ـ وهو السلام ـ أن أقوم في هذا المشهد ، فاُعلم كلّ أبيض وأسود أنّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام أخي ووصيّي وخليفتي والإمام بعدي ، الّذي محلّه منّي محلّ هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي ، وهو وليّكم بعد اللّه ورسوله ، وقد أنزل اللّه ـ تبارك وتعالى ـ بذلك آية من كتابه : « إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ »۲ وعليُّ بن أبي طالب أقام الصلاة وآتى الزكاة وهو راكع ، يريد اللّه عز و جل في كلّ حال .
وسألت جبرئيل عليه السلام أن يستعفي لي عن تبليغ ذلك [ إليكم ]أيّها الناس ؛ لعلمي بقلّة المتّقين ، وكثرة المنافقين ، وإدغال ۳ الآثمين ، وخَتْل ۴ المُستهزئين بالإسلام ،
1.سورة المائدة ، الآية ۶۷ .
2.سورة المائدة ، الآية ۵۵ .
3.الإدغال : المخالفة والخيانة ، وأدغل في الأمر : أدخل فيه ما يفسده .
4.الخَتْل : الخديعة .