جواهر المطالب في فضائل عليّ بن أبي طالب (سلام الله علیه) - صفحه 214

والاعتذار منها ، فصاحبها كراكب الصعبة ، إن أشنق لها خرم ، وإن أسلس لها تقحّم ، فمني الناس ـ لعمر اللّه ـ بخبط وشماس ، وتلوّن واعتراض ، فصبرت على طول المدّة ، وشدّة المحنة ، حتّى إذا مضى لسبيله ، فجعلها شور في جماعة زعم أنّي أحدهم ، فياللّه والشورى ، متى اعترض الريب فيَّ مع الأوّل منهم ، حتّى صرت أقرن إلى هذه النظائر ، لكنّني أسففت إذ أسفّوا ، وطرت إذ طاروا ، فصبرت على طول المحنة وانقضاء المدّة ، فمال رجلٌ منهم لضغنه ، وصغى الآخر لصهره ، مع هن وهن .
إلى أن قام ثالث القوم نافجاً حضنيه بين نثيله ومعتلفه ، وقام معه بنو أبيه ، يخضمون مال اللّه خضم الإبل نبتة الربيع ، إلى أن انتكث عليه فتله ، وكبت به بطنته ، وأجهز عليه عمله ، فما راعني إلاّ والناس رسل إليّ كعرف الضبع ، ينثالون عليّ من كلّ جانب ، حتّى لقد وطئ الحسنان ، وشقّ عطفاي ، مجتمعين حولي كربيضة الغنم ، فلمّا نهضت بالأمر نكثت طائفة ، ومرقت اُخرى ، وفسق آخرون ، كأنّهم لم يسمعوا اللّه ـ سبحانه وتعالى ـ يقول : « تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذينَ لا يُريدونَ عُلُوّاً في الأرضِ ولا فَساداً والعاقِبَةُ لِلْمُتَّقينَ »۱ .
بلى واللّه لقد سمعوها ووعوها ، ولكن حليت الدنيا في أعينهم ، وراقهم زبرجها . أما والّذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ، لولا حضور الحاضر ، وقيام الحجّة بوجود الناصر ، وما أخذ اللّه على أولياء الأمر ، أن لا يُقرّوا على كظّة ظالم ولا سغب مظلوم ، لألقيت حبلها على غاربها ، ولسقيت آخرها بكأس أوّلها ، ولألفيتم دنياكم عندي أهون من عفطة عنز .
قال : وقام إليه رجلٌ من أهل السواد ـ عند بلوغه عليه السلام إلى هذا الموضع من خطبته ـ فناوله كتاباً وأقبل ينظر فيه ، فلمّا فرغ من قراءته قال له ابن عبّاس : يا أمير المؤمنين ، لو اطّردت مقالتك من حيث أفضيت ؟ فقال : هيهات يا ابن عبّاس ، تلك شقشقة هدرت ثمّ قرّت ! قال ابن عبّاس : فواللّه ما أسفتُ على كلام قطّ كأسفي على ذلك الكلام ، ألاّ

1.سورة القصص ، الآية ۸۳ .

صفحه از 271