الْقَاعِدِينَ أَجْرَاً عَظِيماً » 1 والجهاد أعظم محن الإيمان ؛ لما فيه من التغرير بالنفس وبذل المهجة .
ثمّ سألناهم عن الدرجة الّتي تلي ذلك ، فقالوا : الإنفاق في سبيل اللّه ، واحتجّوا بقوله : « أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم » 2 وبنحوها ، والإنفاق غليظ في المحبّة وهو يعدل البذل للنّفس ، فإنّهما جودان : جودٌ بالنفس وجود بالمال ، ثمّ سألناهم عن الدرجة الّتي تلي ذلك ، فقالوا : درجة أهل الورع ، واحتجّوا بقوله تعالى : « قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ » 3 ونحوها ، ثمّ سألنا عن الدرجة الّتي تلي ذلك ، فقالوا : الزهد في الدنيا ، الآية ونحوها .
فلمّا عرفنا واجتمعوا عليه من هذه الدرجات الّتي يتفاضل بها المؤمنون قلنا لهم : خبّرونا عن هذه الدرجات الّتي قد اجتمعت في رجل ، هل يدفعه من يجتمع فيه ؟ قالوا : اللهمّ لا . قلنا : فما حكمه ؟ قالوا : حكمه أنّه أفضل المؤمنين ، إلاّ أن يكون مؤمن آخر قد اجتمعت فيه هذه الدرجات ، فيكون مساوياً . قلنا : فهل عندكم حجّة تدفعون بها هذه المقالة ؟ قالوا : اللّهمّ لا ، وذلك أنّ كلّ درجة من هذه الدرجات قائمة بعينها ، وقد أنزل اللّه سبحانه فيها كتاباً ، وعد عليها ثواباً لا يشبه ما وعد اللّه عليه في الدرجة الاُخرى . فلمّا أقرّوا بذلك قلنا : هل نُفي شيء يحتجّون به فترجعون عمّا أقررتم به ؟ قالوا : لا نعرف في شيء من القرآن وفي قول قائل ولا معقول .
قلنا لهم : خبّرونا عن هذه الدرجات : مَن الّذي اجتمعت فيه كلّها ، ومن فيه بعضها ؟ ثمّ ذكروا جميع الدرجات ، ولم يجتمع كلّها إلاّ في عليّ عليه السلام . ثمّ قال : فلمّا رأيناهم قد ذكروا عليّاً في جميع الدرجات فقلنا لهم : لِمَ ذكرتم عليّاً في جميع هذه الأبواب؟ قالوا: لم يخل من هذه الدرجات ، وكلّها قائمة فيه مجتمعة عنده دون غيره.
1.سورة النساء ، الآية ۹۵ .
2.سورة المنافقون ، الآية ۱۰ .
3.سورة المؤمنون ، الآية ۱ و۲ .