جواهر المطالب في فضائل عليّ بن أبي طالب (سلام الله علیه) - صفحه 258

مغموماً رأسي ، فهذه حالي وقصّتي ، فهملتْ عينا عليٍّ بالبكاء ، وقال : أحلف بالّذي حلفت به ، ما أزعجني غير الّذي أزعجك ، لقد اقترضت ديناراً فهاكه آثرك على نفسي . فدفع الدينار ورجع حتّى دخل مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، فصلّى معه الظهر والعصر والمغرب ، فلمّا قضى رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم صلاة المغرب مرّ بعليّ في الصفّ الأوّل فغمزه برجله ، فمشى عليٌّ خلف النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم حتّى لقيه عند باب المسجد ، فسلّم عليه فردّ عليه السلام ، فقال : يا أبا الحسن ، عندك شيء تعشينا ؟
فأطرق عليٌّ ساعة لا يحير جواباً حياءاً من النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم أن تعرف الحال الّتي خرج عليها ، فلمّا نظر إلى سكوت عليّ قال : يا أبا الحسن ، ما لك إمّا أن تقول لا فأنصرف ، أو تقول نعم فأجيءُ معك ! وكان اللّه قد أوحى إلى نبيّه صلى الله عليه و آله وسلم أن تعشّى عندهم . قال : فأخذ النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم بيد عليّ ، فانطلقا حتّى دخلا على فاطمة وهي في مصلّى لها ، قد صلّت وخلفها جفنة يفور رائحتها ، فلمّا سمعت كلام النبيّ صلى الله عليه و آله وسلمخرجت من المصلّى فسلّمت عليه وكانت أعزّ الناس عليه ، فردّ جوابها ومسح بيده على رأسها وقال : كيف أمسيتِ رحمك اللّه عشّينا ؟ فدخلت فأخذت الجفنة فوضعتها بين يدي رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، فلمّا نظر عليٌّ ـ كرّم اللّه وجهه ـ إليها وشمّ ريحها رمى بنظره إلى فاطمة رمياً شحيحاً فقالت له : ما أشدّ نظرك وأشحّه ! سبحان اللّه ، هل أذنبتُ ذنباً أستوجب الخطيئة به ؟
قال : وأيّ ذنب أعظم ممّا أصبته ! أ ليس عهد بك اليوم وأنت تحلفين مجتهدة ما طعمت طعاماً منذ يومين ؟ فنظرتْ إلى السماء وقالت : إلهي تعلم ما في السماء والأرض ، إنّي لم أقل إلاّ حقّاً . قال : وأنّى لك هذا ؟ لم أر مثله قطّ ، ولم أشمّ مثل رائحته ، ولم آكل أطيب منه ! فوضع النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم كفّه المبارك بين كتفَي عليٍّ ثمّ هزّهما وقال : يا عليّ ، هذا ثواب دينارك وأجرُ صدقتك ، هذا من عند اللّه « إنّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ » . ثمّ استعبر النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم باكياً ، وقال : الحمد للّه الّذي لم يخرجكما من الدنيا حتّى يحل لكما بطعام الجنّة في الدنيا والثواب المدَّخر في الآخرة ، وجعل ابنتي مثل مريم « كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمَـحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ

صفحه از 271