177
الدرّ المنظوم من كلام المعصوم

14.عدّةٌ من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن حديد ، عن سُماعة بن ص 21
مهران ، قال : كنتُ عند أبي عبداللّه عليه السلام وعنده جَماعةٌ من مَواليه ، فجرى ذكرُ العقل والجهل ، فقال أبو عبداللّه عليه السلام : «اعْرِفوا العقلَ وجندَه ، والجهلَ وجندَه تَهتدوا» قال سماعة : فقلتُ : جعلتُ فِداك ، لا نَعرفُ إلاّ ما عرَّفتنا ، فقال أبو عبداللّه عليه السلام : «إنّ اللّه عزّ وجلّ خلق العقلَ ـ وهو أوّلُ خَلْق من الروحانيّين ـ عن يمين العرش من نوره ،

قوله عليه السلام في حديث سماعة : (اعْرِفوا العقلَ وجندَه والجهلَ وجندَه تَهتَدوا) .
كثيراً مّا يستعمل المعرفة بمعنى التصديق بالشيء والعمل به ، ولا يراد التصوّر فقط ، ولا التصديق من غير عمل فيما لا يكفي فيه ذلك ، كما تقول : «اعرف الحقّ تدخل الجنّة» وما هنا من هذا القبيل ؛ فالمعنى ـ واللّه أعلم ـ : اعرفوا ذلك واتّبعوا العقل وجانبوا الجهل تهتدوا .
ولا ينافيه ما يأتي في آخر الحديث من قوله عليه السلام : «وإنّما يُدْرَكُ ذلك بمعرفة العقل وجنوده ، وبمجانبة الجهل وجنوده» فإنّ المراد ـ واللّه أعلم ـ بالإدراك الوصول إليه ؛ ففيه تأييدٌ لما ذكر من المعرفة .
ويحتمل أن يكون بمعنى تهتدوا إن أردتم الهداية ، أو بمعنى تهتدوا إلى ما تريدون منهما ؛ كقوله تعالى : «وَ هَدَيْنَـاهُ النَّجْدَيْنِ» .۱

1.البلد (۹۰) : ۱۰ .


الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
176

۱۳.عليّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد رَفَعَه قال :قال أميرالمؤمنين عليه السلام : «العقلُ غِطاءٌ ستير ، والفضلُ جمالٌ ظاهرٌ ، فاسْتُرْ خَلَلَ خلقِك بفَضْلك ، وقاتِلْ هواكَ بعقلك ، تَسْلَمْ لك المودّةُ ، وتَظْهرْ لك المحبّةُ» .

قوله عليه السلام في حديث سهل بن زياد : (العقلُ غِطاءٌ ستيرٌ ، والفضلُ جمالٌ ظاهرٌ ، فَاستُرْ خَلَلَ خلقِك بفضلك ؛ وقاتِلْ هَواك بعقلك ، تَسْلَمْ لك المودّةُ ، وتَظهرْ لك المحبّةُ) .
«ستير» يحتمل أن يكون بمعنى مستور ، وأن يكون بمعنى ساتر . والأوّل أنسب ب «ظاهر» معنىً ، والثانى به لفظاً .
وبمعنى مستور قد يكون من باب «حجاب محجوب وستر مستور» فيرجع إلى فاعل .
و«الفضل» في اللغة ضدّ النقص . ۱
و«الخلق» بالفتح بمعنى الخلقة ، وبالضمّ وضمّتين السجيّة والطبع والمروّة والدين .
والمعنى ـ واللّه أعلم ـ أنّ العقل غطاء يستر العيوب الباطنة ، والفضلُ ـ وهو الأثر الذي يظهر في الإنسان من المزايا الحسنة ـ جمالٌ له ، فإذا كان خلقته ناقصة ، جمّلها بالفضل وجَبَرَ نقصها به . ومنه قيل : الكرم يغطّي كلّ عيب ، والإحسان يقطع اللسان ، وعالج هواه الباطني بالعقل الساتر أو المستور ، أي الباطني ، فيصير بذلك كاملاً في الظاهر والباطن ، ساتراً للظاهر بالظاهر ، وللباطن بالباطن ؛ فتسلم له المودّة ، أي مودّته للّه تعالى ، وتخلص من شوائب مرضها بمتابعة الهوى ، أو مودّة الناس له ، وتظهر له محبّته للّه ، أو تنكشف له محبّة اللّه له أو أثرها ، أو محبّة الناس ، أو مطلقا ؛ فمن أحبّه اللّه أحبَّه الناس الذين هم الناس ؛ واللّه أعلم .
و«الغطا» الستير ، بمعنى فاعل ، إمّا تأكيد وإمّا تأسيس ؛ لأنّ الغطاء قد لا يستر .
والمعنى على تقدير «الخُلق» ـ بضمّ الخاء ـ ظاهرٌ ، إلاّ أنّه متفرّع على ذكر الفضل من غير ملاحظة ما في الخَلق بفتح الخاء ، وحاصله أنّ الفضل جمالٌ ظاهرٌ ، فاستر خلقك به .
ويؤيّده في الجملة ما يأتي في حديث المفضّل : «وحسن الخلق مجلبة للمودّة» ۲ .
وعبّر عليه السلام ب «قاتل هواك» دون «استر» لما في كلّ واحد ممّا يدخل تحت الهوى من القوّة وشدّة المدافعة ، فناسب التعبير به ، فإنّ الستر لا يشعر بذلك ، بل ربما أشعر بخلافه ، فإنّ المستور مشعر بضعف فيه وعدم مقاومة ، والأمر بما ذكر أمرٌ بتحصيله وبذل الجهد فيه إن لم يكن حاصلاً وبالعمل به ومراعاة ما يليق به إن كان حاصلاً ؛ واللّه تعالى أعلم .

1.لسان العرب ، ج ۱۱ ، ص ۵۲۴ (فضل) .

2.الكافي ، ج ۱ ، ص ۲۷ ، كتاب العقل والجهل ، ح ۲۹ .

  • نام منبع :
    الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
    سایر پدیدآورندگان :
    الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    اوّل
تعداد بازدید : 106453
صفحه از 715
پرینت  ارسال به