179
الدرّ المنظوم من كلام المعصوم

۰.مِثْلَ ما أعطيتَه ، فقال : نعم ، فإن عصيتَ بعد ذلك أخرَجْتُك وجندَك من رحمتي ، قال : قد رضيتُ ، فأعطاه خمسةً وسبعينَ جُندا ، فكان ممّا أعطى العقلَ من الخمسة والسبعين الجندَ :

المذكور هنا ثمانية وسبعون ، ويحتمل ـ واللّه أعلم ـ أن يكون وقع في لفظة «خمسة» اشتباه وتحريف أوّلاً ، ثمّ تبعه الناسخون بأن يكون أصله «ثمنية» فإنّها كثيراً ما تكتب بغير الف ، بل الأصل فيها ذلك بحسب قواعد الخطّ ، فكانت النقطتان قريبتين من الثاء ، وهما في نفسهما متّصلتان أو متّصلتين بالثاء ، فحصل اشتباه ثمانية بخمسة إمّا في الموضعين ، أو في أحدهما ، وتصرّف النسّاخ في الآخر أو الآخرين بالموافقة ، وتصحيف الخمسة بالثمانية أيضاً قريبٌ مع توهّم الموافقة ؛ واللّه أعلم . ومثل هذا واقع في الحديث يَظْهَر لمن تتّبعه .
و يُنسب إلى شيخنا البهائي ـ طاب ثراه ـ هنا حواش هذه صورتها :
المذكور هنا ثمانية وسبعون ، ولعلّ الثلاثة الزائدة إحدى فقرتي الرجاء والطمع ، وإحدى فقرتي الفهم ، وإحدى فقرتي السلامة والعافية ، فجمع الناسخون بين البدلين ، غافلين عن البدليّة ، كما ذكرناه عند الطمع واليأس ؛ انتهى . ۱
وعند ذكر الطمع ذكر :
الطمع وضدّه تكرار لذكر الرجاء وضدّه ، ولا يمكن توجيهه بإرادة الطمع من الخلق واليأس منهم لذمّ الطمع منهم ومدح اليأس ، فكيف يجعل الأوّل من جنود العقل ، والثاني من جنود الجهل . وكان ينبغي أن يقال : واليأس وضدّه الطمع ؛ والظاهر أنّ هذه النسخة كانت في بعض النسخ بدلَ اُختها ، فرآها بعض الناظرين فجمع بينهما . والصواب عدم الجمع بين الاُختين ، انتهى . ۲
وكتب على العافية وضدّها البلاء : «تقدّم السلامة وضدّها البلاء ، فينبغي حمل إحدى الاُختين على ما حملناه عليه في الطمع والرجاء» . انتهى المنسوب إليه .
أقول : لا يخفى إمكان أن يقال : إنّ الرجاء والقنوط مغايران للطمع واليأس في الجملة ، والبلاء في الموضعين يمكن اعتباره مختلفاً ، فالبلاء مع السلامة غيره مع العافية . وفي هذه الجنود ما هو متقارب المعنى من هذا القبيل غير ما ذكر ، فمع وجود الجميع يمكن حمل كلّ على معنى يخالف الآخر ، ولكنّه توجيه في الجملة كما ذكرته .
ويحتمل أن يكون بعض الجنود ـ التي عباراتها مختلفة ومآلها واحد ـ معدودا كلّ اثنين منها بواحد ، وذكرها لاختلاف التعبير باختلاف أهله كالرجاء والقنوط ، والطمع واليأس ، والفهم والغباوة ، والفهم والحمق ، والسلامة والبلاء ، والعافية والبلاء . ولا يخفى بُعد هذه التوجيهات ؛ واللّه أعلم وأهله بحقيقة الحال .
وفي كتاب الخصال أحد وثمانون ۳ وفي أوّل الحديث كما هنا خمسة وسبعون ، وبين ماهنا وهناك اختلاف ، مَن أرادَ الاطّلاع عليه راجعه هناك ، ومثل هذا يقع من التساهل في ضبط الأحاديث ، وبعض الألفاظ في الخصال بمعنى بعض الألفاظ في هذا الكتاب ، وكأنّه قرينة على ما ذكرناه من اختلاف التعبير ، أو من النقل بالمعنى .
ويحتمل أن يكون بعض الرواة كان يروي بعض الكلام بلفظٍ ، وآخَرُ يرويه بآخَرَ ، وفي وقت الجمع جمع الجميع ؛ واللّه أعلم .

1.نقله عنه ملاّ صالح المازندراني في شرحه ، ج ۱ ، ص ۲۱۲ .

2.نقله عنه ملاّ صالح المازندراني في شرحه ، ج ۱ ، ص ۲۲۵ ؛ بالاختصار .

3.الخصال ، ص ۵۹۰ ، ح ۱۳ .


الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
178

۰.فقال له : أدبِرْ فأدبَرَ ؛ ثمّ قال له : أقبِلْ فأقبَلَ ؛ فقال اللّه تبارك وتعالى : خلقتُكَ خلْقا عظيما ، وكرّمتُكَ على جميع خلقي» . قال : «ثمّ خلَق الجهلَ من البحر الأُجاج ظلمانيّا ، فقال له : أدبِرْ فأدبَرَ ؛ ثمّ قال له : أقبِلْ فلم يُقْبِلْ ، فقالَ له : استكبرتَ ، فلَعَنَهُ ، ثمّ جعل للعقل خسمةً وسبعينَ جُندا ، فلمّا رأى الجهلُ ما أكرَمَ اللّه به العقلَ وما أعطاهُ ، أضمَرَ له العداوةَ ، فقال الجهلُ : ياربِّ ، هذا خلقٌ مِثْلي خَلَقْتَه وكرَّمْتَه وقوَّيْتَه ، وأنا ضدُّه ولا قوّةَ لي به ، فأعْطِني من الجُنْد

قوله عليه السلام : (فقال له: أدْبِرْ فأدْبَرَ ، ثمّ قال له : أقبِلْ فلم يُقْبِلْ، فقال له : استكبرتَ، فَلَعَنَه) .
قد تقدّم أنّ اللّه سبحانه جعل للعقل والجهل نوعاً من التكليف ، ونوعاً من العقاب مع المخالفة ، فبمخالفة الجهل لَعَنَه ، وتوعّده إن عصى بعد ذلك بالإخراج من الرحمة . وعصيانه بمخالفته ما يؤمر به لا باستعمال جنوده . ومَن تدبّر حكمة التكليف مع إعطاء القدرة للمكلّف والاستطاعة لا يتوهّم أنّ في خَلْق الجهل وجنوده ما لعلّه يخطر بالبال ؛ فهو من قبيل خلق الشهوات والدواعي في الإنسان مع قدرته على الكفّ عنها .
قوله عليه السلام فيه : (ثمّ جعلَ للعقل خمسةً وسبعينَ جُنداً)۱ .

1.في حاشية «د» : «إن اطلق الجند على الواحد كإطلاقه على المتعدّد ، كان تمييزا ، وإلاّ فهو من قبيل قول تعالى : « ثَلَـاثَ مِاْئَةٍ سِنِينَ » [ الكهف (۱۸) : ۲۵] . (منه) » .

  • نام منبع :
    الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
    سایر پدیدآورندگان :
    الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    اوّل
تعداد بازدید : 106437
صفحه از 715
پرینت  ارسال به