187
الدرّ المنظوم من كلام المعصوم

۱۶.عليُّ بن محمّد ، عن سهل بن زيادٍ ، عن النوفليّ ، عن السكونيّ ، عن جعفر ، عن أبيه عليهماالسلام ، قال :«قال أميرالمؤمنين عليه السلام : إنَّ قلوبَ الجُهّالِ تَستفِزُّها الأطماعُ ، وتَرتهنُها المنى ، وتَستعلِقُها الخدائعُ» .

قوله عليه السلام في حديث السكوني : (إنّ قلوبَ الجُهّالِ تَستَفِزُّها الأطماعُ ، وتَرتهنُها المنى ، وتَستعلِقُها الخدائعُ) .
لا شبهة في أنّه إذا لم يعمل الإنسان بمقتضى عقله كانَ جاهلاً ، فتستفزّه الأطماع ، أي تستخفّه ، بمعنى أنّها تجده خفيفاً ، فتطلب لخفّته انقياده إليها ، فتجده سريعا إلى إجابتها . وهنا شأن كلّ من استخفّ شيئاً وأراد انقياده ؛ بخلاف العاقل ، فإنّ الأطماع تستثقله ، فلا تقدم على تسخيره .
«وترتهنها المنى» أي تجعلها كالرهن الذي لا ينتفع به صاحبه مادام رهناً ، وإذا فكّه خرج عن الرهن . وقلوب الجُهّال مرهونة عند الأمانيّ ، مسلّطة على منعها عمّا تستعمل فيه ، فهي في يدها وتصرّفها ، ومانعة إيّاها عن التصرّف في غير ما يتعلّق بها ، بخلاف قلوب العقلاء ، فإنّها تتصرّف كيف ما اقتضاه العقل .
«وتستعلقها الخدائع» من العلق وهو الهوى ، يقال : علقها بالكسر وعلق حبّها بقلبه ، أي هواها . والمعنى أنّ الخدائع تجعل قلوب الجهّال متعلّقة بها وهاوية إيّاها كتعلّق العاشق بالمعشوق .
ويحتمل بعيداً أن يكون من الإعلاق ، وهو إرسال العلق على الموضع ليمصّ الدم ؛ أو من العلق وهو الدم الغليظ ، والقطعة منه : علقة . والمعنى على الأوّل أنّ الخدائع تجعلها كاللحم الخالي من الدم في عدم قوامه بما فيه حياته ، من غير نظر إلى إخراج الفاسد منه ؛ لأنّ ذلك من فعل العاقل لا الجاهل .
وعلى الثاني كالقطعة من الدم ، وإذا وصل القلب إلى هذه الحالة سقط من الانتفاع به ، وذلك بخلاف قلوب متابعي العقل ، فإنّ الخدائع لا تجد إليها سبيلاً ؛ واللّه تعالى أعلم بمقاصد أوليائه .


الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
186

۰.اللّه ُ قلبَه للإيمان ، وأمّا سائرُ ذلك من موالينا فإنّ أحدَهم لا يخلو من أن يكونَ فيه بعضُ هذه الجنودِ حتّى يَستكملَ ، ويَنْقى من جنود الجهل ، فعند ذلك يكونُ في الدرجة العُليا مع الأنبياء والأوصياء ، وإنّما يُدْرَكُ ذلك بمعرفة العقل وجنوده ، وبُمجانبة الجهل وجنودِه ؛ وَفَّقنا اللّه ُ وإيّاكم لطاعته ومَرضاتِه» .

۱۵.جَماعةٌ من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى،عن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال :«ما كَلَّمَ رسولُ اللّه صلى الله عليه و آله العبادَ بكُنْهِ عقله قطُّ» . وقال : «قال رسولُ اللّه صلى الله عليه و آله : إنّا ـ معاشِرَ الأنبياء ـ اُمِرْنا أن نُكَلِّمَ الناسَ على قَدْر عقولهم» .

قوله عليه السلام : (وأما سائرُ ذلك من موالينا فإنّ أحدَهم لا يخلو من أن يكون فيه بعضُ هذه الجنودِ حتّى يَستكملَ ويَنْقى من جنود الجهل ...) .
معناه ـ واللّه أعلم ـ : وأمّا بقيّة الناس الذين ذكر منهم النبيّ والوصيّ والمؤمن الذين هم شيعتهم عليهم السلام وموالوهم ومحبّوهم لا غيرهم ، فلا يخلو أحدهم من أن يكون فيه بعض جنود العقل حتّى يستكمل ويحصل جميع الجنود ، فيكون نقيّا من جنود الجهل إن فعل ذلك وطلب الكمال وحصّله ، فإن فعل ذلك يكون في الدرجة العليا .
ويفهم منه أنّ غير الشيعة ليسوا كذلك ، وذلك لأنّ صاحب الجنود قد ضيّعوه ولم يحصلوا منه على شيء يعتدّ به ، والجنود تابعة للسلطان ، فما كان منها بصورة السلطان وصورة بعض الجنود ، فليس منها كما تقدّم في معاوية ، نعم إذا حصل صاحب الجند أمكن تحصيله . وقد تقدّم بقيّة ما يتعلّق بهذا المقام ؛ واللّه تعالى أعلم .
قوله عليه السلام في حديث ابن فضّال: (ما كَلَّمَ رسولُ اللّه صلى الله عليه و آله العبادَ بكُنْهِ عقله قطُّ، وقال...) .
لا شبهة في أنّ عقول غير المعصومين ناقصة بالنسبة إلى عقولهم عليهم السلام ، ومخاطبة من لا يدرك بعقله المخاطب به قد تكون سبباً لعدم القبول ، وبالعقل يعرف المكلّف نبوّة النبيّ ونحوها؛ فلهذا كان كلامهم لهم على قدر عقولهم.وبتفاوت العقول يتفاوت الكلام ، ومقتضى العقل والتأسّي بهم أن يكون غيرهم ممّن يكلّم الناس كذلك .
فإن قلت : عقول الأنبياء عليهم السلام كاملة ، ومن خلاف العمل بمقتضى العقل كلامُ الإنسان بمالا يعقل ، فأيّ فائدة في أمرهم عليهم السلام بذلك؟
قلت : قد اقتضت حكمة اللّه سبحانه أنّه لم يفوّض إلى أنبيائه التبليغ بمجرّد دلالة العقل ، بل بأمر منه تعالى في غير ما ثبت فيه التفويض ، وأمرهم بالتبليغ المطلق قد لا يظهر للأنبياء كونه بقدر عقولهم أو بقدر عقول المخاطبين ، فإنّ الأنبياء أيضاً لا يعلمون وجوه حكمته تعالى إلاّ بتعليم منه ، ولا يفعلون إلاّ ما اُمروا به ، ولو كان مدلولاً عليه بالعقل .

  • نام منبع :
    الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
    سایر پدیدآورندگان :
    الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    اوّل
تعداد بازدید : 106404
صفحه از 715
پرینت  ارسال به