189
الدرّ المنظوم من كلام المعصوم

۱۹.عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن يحيى بن المبارك ، عن عبداللّه بن جَبَلَةَ ، عن إسحاق ابن عمّار ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال :قلت له : جُعِلْتُ فداك ، إنَّ لي جارا كثيرَ الصلاةِ ، كثيرَ الصدقةِ ، كثيرَ الحجِّ لا بأس به ؟ قال : فقال : «يا إسحاقُ ، كيف عقلُهُ؟» ، قال : قلت له : جعلت فداك ليس له عقلٌ ، قال : فقال : «لا يرتفعُ بذلك منه» .

قوله عليه السلام في حديث إسحاق بن عمّار بعد قوله له : جعلتُ فداك ، إنّ لي جاراً كثير الصلاة ، كثير الصدقة ، كثير الحجّ لا بأس به : (يا إسحاق ُكيف عقلُه؟ قال : قلتُ : جُعلتُ فِداك ليس له عقلٌ ، قال : فقال : لا يَرتَفِعُ بذلك منه) .
في بعض النسخ «لا ينتفع بذاك منه» . والمعنى على الأوّل أنّ هذا الشيء الكائن منه مع عدم العقل لا يحصل به الرفعة عنداللّه أو رفعة بسببها ، يقال : إنّه رفيع المنزلة بوصفه بذلك .


الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
188

۱۷.عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن جعفر بن محمّد الأشعريّ ، عن عبيداللّه الدهقان ، عن دُرُستَ ، عن إبراهيم بن عبدالحميد ، قال :قال أبو عبداللّه عليه السلام : «أكْمَلُ الناسِ عقلاً أحْسَنُهم خُلُقا» .

۱۸.عليٌّ ، عن أبي هاشم الجعفريّ ، قال : كُنّا عند الرضا عليه السلام فتذاكرنا العقلَ والأدبَ ، فقال :«يا أبا هاشم ، العقلُ حِباءٌ من اللّه ، والأدبُ كُلْفَةٌ ، فمن تكلّفَ الأدبَ قَدَرَ عليه ، ومن تكلّفَ العقلَ ، لم يَزدَدْ بذلك إلاّ جهلاً» .

قوله عليه السلام في حديث إبراهيم بن عبدالحميد : (أكملُ الناسِ عقلاً أحْسَنُهُم خُلقاً) .
«الخُلق» بالضمّ والضمّتين ، وقد تقدّم معناه ، وإذا كان الإنسان حَسَن الخلق ، كانَ العقلُ معه مستريحاً في انقياده إليه وتسخيره ، بخلاف ما إذا كان سيّء الخلق ، فإنّه يضعف عن مقاومته ويقوى به جانب الجهل وجنوده .
وقد يتحقّق كمال العقل في الجملة ولو بالإضافة مع عدم إساءة الخلق ، أو معها كذلك ، وبه يتمّ التفضيل ، وقد يكون من باب قوله تعالى : «وَ هُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ»۱ .
والأمر باتّباع محاسن الأخلاق واجتناب مساويها كثيرٌ ، وهذا إنّما يكون بعد إعطاء القدرة على تحصيلها ، فإذا عمل بمقتضى العقل وأجهَدَ نفسه في تحصيلها ، كانَ عقله كاملاً ، والكمال متفاوت ؛ واللّه أعلم .
قوله عليه السلام في حديث أبي هاشم الجعفري : (يا أباهاشم ، العقلُ حباءٌ من اللّه ، والأدبُ كُلْفَةٌ ، فمن تكلّفَ الأدبَ قَدَرَ عليه ، ومن تكلّفَ العقلَ لم يَزْدَدْ بذلك إلاّ جهلاً) .
«الحبا» ككتاب : العطاء بلا جزاء ، فالعقل عطاء من اللّه سبحانه لعبده لأجل نفعه بمتابعته ، وترتّب الثواب الجزيل له عليها ، والأدب ممّا يقتضيه العقل ، فإذا لم يكن حاصلاً يقدر الإنسان على أن يحمل نفسه مشقّة تحصيله ، فتحصيله مقدورٌ له ، بخلاف العقل بمعنى الغريزة ، فمن أراد أن يزيد في عقله الذي أعطاه اللّه تعالى إيّاه وقسمه له ، لم يقدر على ذلك ، فلو تكلّفه لم يزدد به إلاّ جهلاً ؛ لأنّه ينتقل من الجهل البسيط إلى الجهل المركّب ، فيزيد جهله .
ثمّ يرتّب عليه ما يتوهّم أنّه من مقتضى العقل ، فكلّ ما يترتّب عليه يكون زيادة في الجهل ، أو أنّه يزيد بذلك زيادة العقل لأجل رفع الجهل بمالا يصل إليه بما عنده من العقل ، فيزيد بذلك جهله ، فينبغي طلب الزيادة من واهب الأصل الذي لا يخيب سائله .
وفيه دلالة على عدم حصول العقل المكتسب بقدرة العبد ، إلاّ أن يُراد به ما يَحصل من مقتضى العقل الغريزي ويترتّب عليه ، فمن سمّى مثل هذا عقلاً مكتسباً فلا نزاع معه ، فهو غير العقل المقسوم الذي لا يقدر العبد على زيادته ؛ واللّه أعلم .

1.الروم (۳۰) : ۲۷ .

  • نام منبع :
    الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
    سایر پدیدآورندگان :
    الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    اوّل
تعداد بازدید : 106382
صفحه از 715
پرینت  ارسال به