191
الدرّ المنظوم من كلام المعصوم

۰.قال : فقال ابنُ السكّيتِ : تاللّه ِ ما رأيْتُ مثلَكَ قطُّ ، فما الحجّةُ على الخلق اليومَ؟ قال : فقال عليه السلام : «العقلُ ، يَعرفُ به الصادقَ على اللّه فيُصدِّقُه ، والكاذبَ على اللّه فيُكذِّبُه» قال : فقال ابنُ السكّيتِ : هذا ـ واللّه ـ هو الجوابُ .

۲۱.الحسين بن محمّد ، عن مُعلّى بن محمّد ، عن الوشّاء ، عن المثنّى الحَنّاط ، عن قُتيبةَ الأعشى ، عن ابن أبي يعفور ، عن مَوْلًى لبني شيبان ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال :«إذا قامَ قائمُنا وَضَعَ اللّه ُ يَدَهُ على رؤوس العباد ، فجَمَعَ بها عقولَهم وكَمَلَتْ به أحلامُهم» .

قوله عليه السلام في حديث ابن السكّيت بعد قوله : فما الحجّةُ على الخلقِ اليومَ : (العقلُ يَعْرِفُ به الصادقَ على اللّه فيُصَدِّقُه ، والكاذبَ على اللّه فيُكَذِّبُه) .
جواب أبي الحسن عليه السلام لابن السكّيت يتضمّن أنّه عليه السلام الحجّة في ذلك الوقت ، وأنّ معرفة الحجّة بتصديق العقل له . ومعرفة غيره بتكذيب العقل له ، فقد أجاب عليه السلام على أبلغ وجه وأحسنه بحيث لو كان مخالف يُتّقى منه لما وجد إلى الكلام سبيلاً . وباقي الحديث ظاهر .
قوله عليه السلام في حديث مولى بني شيبان ۱ : (إذا قامَ قائمنا ، وَضَعَ اللّه ُ يَدَه على رؤوسِ العبادِ ، فجَمَعَ بها عقولَهم ، وكملَتْ به أحلامُهم) .
«اليد» هنا بمعنى القدرة ونحوها ممّا يليق به سبحانه ، وتكون بمعنى النعمة .
والمعنى ـ واللّه أعلم ـ أنّ عقولهم المنتشرة المختلفة ـ التي سمّوها أو اعتقدوها عقولاً وإن لم تكن كلّها عقولاً في الحقيقة ـ تصير كلّها عقلاً واحداً حقيقيّاً ظاهرا مع إزالة شبهة مارسخ في أفكارهم وسمّوه عقلاً وتمييزه وإخراجه ، فيصير الحقّ بذلك واضحاً كمال الوضوح لكلّ أحدٌ ، خالصاً من شوائب الجهل ، يعقل به المكلّف ما يراد منه ويدلّ عليه بسهولة ، فإمّا أن يتبعه مع هذا الوضوح فيسلم ، أو لا فيهلك ، ولا يقبل منه الجهل .
أو المعنى أنّ العقول التي أعطاهم اللّه إيّاها ولم يتبعوها كلّهم وخالفوا ما دلّتهم عليه ، كأنّها قد فارقتهم ، أو فارقهم بعضها ۲ ، وألفوا الجهل ومتابعته ، فيجمعها اللّه تعالى لهم في ذلك الوقت بعد تفرّقها وانتشارها على الوجه المذكور .
وإرادة النعمة من اليد محتملة ، فإنّ هذا نعمة عظيمة منه تعالى . وفي التعبير بوضع اليد على الرؤوس التي هي مقرّ العقول إشعارٌ بكمال الرأفة والرحمة .
و«الأحلام» جمع حلم ، وهو الأناة والعقل ، والمناسب هنا الثاني ، وذكره لدفع التكرار إن لم يغاير العقول في الجملة . وضمير «به» يرجع إلى الجمع ، نحو قوله تعالى : «اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى»۳ واللّه تعالى أعلم .

1.في «ألف ، ب ، د» : «مولى بن شيبان» . وفي الكافي المطبوع : «مولى لبني شيبان» .

2.في «د» : «بعضا» .

3.المائدة (۵) : ۸ .


الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
190

۲۰.الحسين بن محمّد ، عن أحمد بن محمّد السيّاريّ ، عن أبي يعقوب البغداديّ ، قال :قال ابنُ السكّيتِ لأبي الحسن عليه السلام لِمَاذا بَعَثَ اللّه ُ موسى بن عمران عليه السلام بالعصا ويَدِهِ البيضاء وآلةِ السحرِ؟ وبعث عيسى بآلة الطبّ ؟ وبعث محمّدا ـ صلّى اللّه عليه وآله وعلى جميع الأنبياء ـ بالكلام والخُطَبِ؟
فقال أبو الحسن عليه السلام : «إنّ اللّه لمّا بَعَثَ موسى عليه السلام كان الغالبُ على أهلِ عصره السحرَ ، فأتاهم من عنداللّه بما لم يكنْ في وُسْعِهِم مثلُهُ ، وما أبْطَلَ به سحرَهم ، وأثْبَتَ به الحجّةَ عليهم ، وإنّ اللّه َ بَعَثَ عيسى عليه السلام في وقتٍ قد ظهرَتْ فيه الزماناتُ ، واحتاجَ الناسُ إلى الطبّ ، فأتاهم من عنداللّه تعالى بما لم يكن عندهم مثلُه ، وبما أحيا لهم الموتى ، وأبرَأَ الأكمَهَ والأبرصَ بإذن اللّه تعالى ، وأثبَتَ به الحجّةَ عليهم . وإنّ اللّه تعالى بعث محمّدا صلى الله عليه و آله في وقتٍص 25
كان الغالبُ على أهل عصره الخُطَبَ والكلامَ ـ وأظنُّه قال : الشعر ـ فأتاهم من عند اللّه تعالى من مواعظه وحِكَمِه ما أبطلَ به قولَهم ، وأثْبَتَ به الحجّةَ عليهم» .

وبناء «يرتفع» للمفعول أنسب من بنائه للفاعل ؛ لأنّه على الأوّل يفيد أنّ هذا الذي يحصل منه من العبادة لا يحصل به لأحد ارتفاع . وبناؤه للفاعل يفيد أنّه لا يرتفع هو به . وهذا وإن استفيد منه أنّه من غيره كذلك ، إلاّ أنّ الأوّل أدلّ . ونحوه نسخة «ينتفع» .
وسلب العقل عنه سلب للعمل بمقتضاه بحيث تقع هذه منه على وجهها ، فهو جاهل مؤدٍّ لما ذكر على غير وجهه ، فلا يحصل له رفعة بذلك ، وكذا غيره الذي يعمل عمله .
ويحتمل بعيداً سلب أصل العقل ، بمعنى سلبه بالكلّيّة أو بسلب ۱ أكثره ، وقد يفعل المجنون مثل ذلك لا عن قصد ، ومسلوب الأكثر قد يفعله مشوباً برياء ونحوه بحيث لا يكون كفعل الكامل ، ولا يكون معاقباً فيما لا يصل إليه عقله . ونفي الارتفاع حينئذٍ يحمل على مالا يدخل فيه الذمّ ، بمعنى أنّ مثل هذا الفعل الصادر عن مثل هذا ليس ممّا يرتفع به العاقل لو فعله كما فعله .
ووجاهة الأوّل ظاهرة ؛ واللّه أعلم .

1.في «ج» : «سلب» .

  • نام منبع :
    الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
    سایر پدیدآورندگان :
    الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    اوّل
تعداد بازدید : 106374
صفحه از 715
پرینت  ارسال به