193
الدرّ المنظوم من كلام المعصوم

۲۳.عدَّةٌ من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّدٍ مُرسلاً ، قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام :«دِعامةُ الإنسانِ العقلُ ، والعقلُ منه الفِطْنَةُ والفهمُ والحفظُ والعلمُ ؛ .........

قوله عليه السلام في حديث أحمد بن محمّد المرسل : (دِعامَةُ الإنسانِ العقلُ ، والعقلُ منه الفِطْنَةُ والفهمُ والحفظُ والعلمُ) .
دعامة الشيء عماده ، فدعامة الإنسان وعماده وركنه الأعظم ـ الذي يستحقّ به أن يسمّى إنساناً ـ هو العقل .
والعقل هنا يحتمل المعنيين ، فالمعنى على أحدهما أنّ عقل الإنسان للأشياء التي يدلّه عليها ۱ العقل هو عماده الذي قام به ، والعقل بهذا المعنى منه تحصل فطنته وفهمه وحفظه وعلمه التي يحصّلها على وجهها ؛ لأنّ العقل يبعثه على تفطّن مايليق به ، ويبعثه أيضاً على فهمه وحفظه وعلى تحصيل العلم .
وبالجملة ، فبالعقل يتوجّه إلى ما ينفعه تمام التوجّه ، فتحصل هذه المذكورات ، ومن جَدَّ وَجَدَ ، «وَ الَّذِينَ جَـاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا»۲ . والجاهل الذي لا يتّبع عقله لا يحصل منه هذا التامّل والتوجّه،فيكون ذلك باعثاً على أضداد ما ذكر، فإنّ الشيء ما لم يتكرّر النظر فيه والإقبال عليه لم يحصل التفطّن له وفهمه وحفظه والعلم به .
وليست هذه الأشياء ونحوها ممّا لا يمكن تحصيله ليكون تكليفاً بما لا يطاق ، بخلاف العقل . نعم قد يتفاوت قدر ما أعطى اللّه الإنسان منها ، وعلى قدر ذلك يكون التكليف ، فإنّ اللّه سبحانه جَلَّ عن أن يكلّف فوق الطاقة ، وأن يأمر وينهى ويحسّن المأمور به ويرغّب فيه ويعد عليه الثواب ، ويقبّح المنهيّ عنه ويتوعّد
عليه بالعقاب ولا يكون للمكلّف إلى ذلك سبيل .
وهذه قاعدة في مثل هذه المذكورات من الفهم والفطنة والحفظ ونحوها بأن يكون معناها فهم الأشياء وحفظها ، لا أصل الفهم والحفظ كأكثر مواقع العقل ، وهي التي يقع بسببها المدح والذمّ والوعد والوعيد .
فمن تعقّل هذا ، خلص من ورطة نسبة الجبر ونحوه إليه تعالى ممّا هو منزّه عنه ؛ فالجاهل ـ وإن كان ذا فطنة وفهم وحفظ ـ لا يَنخَرِطُ ۳ في هذا السلك ، فإنّ وصفه بالفهم والحفظ بمعنى أنّه يفهم ما يسمعه ، سواء كان عن عقلٍ أم لا .
ومعنى كونه حافظاً أنّ قوّته الحافظة قويّة على حفظ ما يرد عليها ؛ وقس على هذا الفطنة ونحوها .
ومعنى كونه عالماً أنّه عالم بما يسمّيه الجهّال علماً ، كما قال أميرالمؤمنين عليه السلام : «قد سمّاه أشباه الناس عالماً وليس بعالم» ۴ ؛ لا أنّه عالم بالعلم الحقيقي ، فإنّه لا يكون ناشئاً إلاّ عن العقل ، فهو عالم بما لا يعتدّ به ، وحافظ وفطن بالمعنى المذكور . وهو غير معتبر ، وإنّما المعتبر ما يترتّب عليه النفع من هذه الأشياء ونحوها ، لا ما يسمّيه صاحبها ونحوه بهذه الأسماء .
ولهذا قال عليه السلام في هذا الحديث لإخراج نحو ۵ هذا : «فإذا كان تأييد عقله من النور كانَ عالماً ، حافظاً ، ذاكراً ، فطناً» أي إذا كانَ تأييد عقله للأشياء من المؤيّد ـ الذي دَلَّه عليها وتبعه فيها ـ كائناً من النور الذي خلق اللّه تعالى العقل منه المذكور في الحديث السابق بقوله : «وهو أوّل خلق من الروحانيين عن يمين العرش من نوره» كانَ هذا العاقل عالماً ، حافظاً ، ذاكراً ، فطناً ، فهماً ، أي كانَ هذا هو الموصوف بهذه في الحقيقة ؛ واللّه أعلم .
وعلى الثاني ، وهو أن يراد بالعقل الغريزة ، فالمعنى حينئذٍ أنّ عماد الإنسان في أعضائه وقواه وحواسّه الظاهرة والباطنة وغيرها هو العقل ، فإنّه مع عدمه لا تميز له عن سائر الحيوانات ، بل هي متميّزة عليه ، فإنّه إنّما يستحقّ الإنسانيّة بالعقل . وهذه الغريزة يحصل منها الفطنة والفهم والحفظ والعلم التي يتفطّن بها ويفهم ويحفظ ، ويعلم ما ينبغي أن يدرك بها ويحصل ، فيخرج ما خرج أوّلاً ، فلا حاجة إلى إعادته .

1.في «د» : «عليه» .

2.العنكبوت (۲۹) : ۶۹ .

3.انخرط الرجلُ في الأمر : ركب فيه رأسه من غير علمٍ ولا معرفة . لسان العرب ، ج ۷ ، ص ۲۸۵ (خرط) .

4.نهج البلاغة ، ص ۵۹ ، الخطبة ۱۷ ؛ الاحتجاج ، ج ۱ ، ص ۲۶۳ ، احتجاجه عليه السلام على من قال بالرأي في الشرع ... ؛ كشف اليقين ، ص ۱۸۶ ؛ وفي بحارالأنوار ، ج ۱۰۱ ، ص ۲۶۷ ، باب أصناف القضاة و ... ح ۲۱ عن نهج البلاغة .

5.في «د» : «مثل» .


الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
192

۲۲.عليّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن سليمانَ ، عن عليّ بن إبراهيم ، عن عبداللّه بن سنان ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال :«حجّةُ اللّه ِ على العِباد النبيُّ ، والحجّةُ فيما بين العباد وبين اللّه العقلُ» .

قوله في حديث عبداللّه بن سنان : (حُجّةُ اللّه ِ على العبادِ النبيُّ ، والحجّةُ فيما بين العبادِ وبين اللّه العقلُ) .
كون النبيّ عليه السلام حجّة اللّه على العباد إمّا بمعنى أنّ اللّه سبحانه يحتجّ عليهم بأنّي بعثت إليكم نبيّاً وقطعت عذركم به .
أو بمعنى أنّ النبيّ الذي بعثه يحتجّ عليهم به ، بأن يقول لهم النبيّ ۱ : إنّي قد بلّغتكم ما اُمرتُ به .
والحجّة فيما بين العباد وبين اللّه العقل من حيث إنّ النبيّ لا يعلم جميع العقلاء من اُمّته ، ولا مقدار ما عند كلّ واحد من العقل ؛ فهذه الحجّة بينهم وبين اللّه ، فيحتجّ اللّه على العاقل بأنّي قد منحتك عقلاً تطيع به الأنبياء وتعمل بما تؤمر به وتنهى عنه .
أو بمعنى أنّ العقل يحتجّ عليهم به ، كما تقدّم . وهذا التركيب ـ وهو بين العباد وبين اللّه ـ إن ثبت بصورته عن المعصوم ، فهو حجّة على الحريريّ في إنكاره ، وإن كانَ نقلاً بالمعنى ، فلا . ويحتمل استثناء مثل هذا باعتبار ؛ واللّه أعلم ۲ ، فتدبّر .

1.في «ج ، د» : - «النبيّ» .

2.في «ألف ، ب ، د» : - «أعلم» .

  • نام منبع :
    الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
    سایر پدیدآورندگان :
    الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    اوّل
تعداد بازدید : 104290
صفحه از 715
پرینت  ارسال به