203
الدرّ المنظوم من كلام المعصوم

۰.وبين المرء والحكمة نِعْمةُ العالِم، والجاهلُ شقيٌّ بينهما ، .........

قوله عليه السلام فيه : (وبين المرءِ والحِكْمةِ نِعمةُ العالِمِ ، والجاهِلُ شَقِيٌّ بينهما) .
الذي يظهرلنظري القاصر من معنى هذا الكلام الشريف وتركيبه أنّ «نعمة» مبتدأ ، خبره الظرف المتقدّم ، و«العالم» خبر مبتدأ محذوف ، تقديره «هي» أو «هو» بملاحظة ما قبل ، وما بعد قاعدة في مثله ، وضمير «بينهما» يرجع إلى المرء والحكمة .
والمعنى حينئذٍ أنّ العالم نعمة عظيمة كائنة بين الإنسان والحكمة ، فإذا أراد الحكمة حصّلها من ذلك العالم ، وأمّا الجاهل فإنّه شقيّ بين المرء والحكمة ؛ لأنّه إن أجاب السائل المتعلّم يكون جوابه غير صحيح ولا موافق للصواب ؛ فشقاؤه ظاهر ، وإن اتّفق إصابته نادراً كان صوابه خطأ ؛ فلا يخرج بذلك عن الشقاوة ، كما في حديث تقسيم القاضي وأنّه أحد الثلاثة الذين في النار . وإن لم يجب كان متعوبا ۱ بخجله من جهة عدم علمه . وهذا أظهر في الجاهل الذي يرى نفسه أهلاً لمعرفة
الحكمة ، بل ربما كان توبيخاً لمن حصل غيرها من العلوم التي لا دَخْلَ لها بها ، فصار له بذلك شهرة يظنّ الجاهل به معرفة الحكمة التي هي أحكام اللّه ، ونحوها ممّا تقدّم ويأتي من معانى الحكمة .
وفي ذكر الشقيّ والعدول عن المقابلة بالشقاء تنبيهٌ على أنّ الجاهل متّصف بالشقاوة ، وأنّ الحكمة لا ينبغي أن تطلب من الجاهل الشقيّ وأن يجعل واسطة بين الحكمة وطالبها .
ويحتمل أن يكون الأصل : «والجاهل شقاء بينهما» للمقابلة المذكورة ، وكثيراً مّا يلتبس على الكتبة غير العارفين ما يكتب بالألف ، فيكتبونه بالياء وبالعكس توهّماً أنّه مقصورٌ أو لعدم التمييز ، ويكون هذا من هذا القبيل ، ولكن مع صحّة الأوّل لا يحتاج إلى هذا ؛ واللّه أعلم .
وكتب والدي طاب ثراه على هذا ما صورته :
الذي يظهر لي من الخبر أنّ قوله : «نعمة العالم» مضاف ومضاف إليه ، والإضافة لاميّة ، والمعنى أنّ بين المرء والحكمة نعمة للعالم ، وهي العلم . ويحتمل أن تكون الإضافة بيانيّة ، أي نعمة هي العالم . والجاهل شقيّ بينهما لحرمانه النعمة على الأوّل ، وحصول الشقاء مقابل النعمة على الثاني .
ثمّ قال :
ونقل عن بعض محقّقي المعاصرين أنّ المراد كون العالم شقيّاً لتعبه على تحصيل العلم ؛ لقوله تعالى : «طـه * مَآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ لِتَشْقَى»۲ والجاهل شقيّ لفوات هذه الحالة عنه ، فهو تعبان أيضاً .
وفيه نظر : أمّا أوّلاً ، فمن جهة اللفظ ؛ إذا الظاهر حينئذٍ شقيّان . وأمّا ثانياً ، فلأنّ الجاهل مستريح ، كما لا يخفى . وفي بعض الأخبار الآتية دليل على ذلك ، وهو ما روي في باب النوادر عن طلحة بن زيد من قوله عليه السلام : «فالعلماء يحزنهم ترك الرعاية ، والجُهّال يحزنهم حفظ الرواية» ۳ .
انتهى كلام والدي أعلى اللّه مقامه .
وما ذكره من كون الإضافة بيانيّة يؤول إلى ما ذكرته .
وقوله في النظر «إذا الظاهر حينئذٍ شقيّان» يمكن أن يجاب عنه بأنّ فعيلاً يسوغ فيه مثل هذا ، أو إنّه من قبيل نحن بمّا عندنا وأنت بما عندك راض . لكنّه في هذا المقام خلاف الظاهر كما أفاده . والتوجيه الذي حكاه لا يخلو من اضطراب وعدم انتظام في اللفظ والمعنى يَظْهَرُ لمن تأمّله حقّ التأمّل .
فإن قلت : إذا كان المعنى ـ على تقدير الإضافة البيانيّة وكون «العالم» خبر مبتدأ محذوف ـ واحدا ، كان الترجيح للإضافه للسلامة من الحذف .
قلت : مجرّد السلامة من الحذف لا يصلح مرجّحاً مطلقاً ، فإنّه ربما كان اقتضاء المقام وبلاغة الكلام وسلاسته في الحذف ، وأنت إذا تأمّلت هذا المقام تجد في الحذف وتنكير «نعمة» والاستيناف مالا يوجد مع الإضافة .
فإن قلت : هل يجوز أن يكون «العالم» مبتدأ و«نعمة» الخبر ، والأصل : العالم نعمة بين المرء والحكمة .
قلت : تقديم الظرف على الخبر مع تقديم الخبر على المبتدأ يمنع من هذا ، فإنّه يصير كلاما من غير التراكيب المتعارفة في كلام الفصحاء على تقدير جوازه بحسب قواعد العربيّة ؛ واللّه تعالى أعلم .

1.في «ألف ، ب» : «متغوبا». والتَغَبُ : الهلاك ، والتَغْبَةُ : الإثم والقبيح .

2.طه (۲۰) : ۱ ـ ۲ .

3.الكافي ، ج ۱ ، ص ۴۹ ، باب النوادر ، ح ۶ .


الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
202

۰.والعالمُ بزمانه لا تهجُمُ عليه اللوابسُ ، والحزمُ مَساءةُ الظنِّ، .........

قوله عليه السلام فيه : (والعالِمُ بزمانه لا تَهجُمُ عليه اللوابِسُ ، والحَزمُ مساءةُ الظنِّ) .
معناه ـ واللّه أعلم ـ أنّ العالم بأهل زمانه لا يدخل عليه منهم ما يلبس عليه أمره ويضرّ بحاله ، بل يكون راجعاً في اُموره إلى اللّه وإلى العقل والعلم ودلالتهما على مافيه صلاحه ؛ أو العالم بزمانه وما يقتضيه من العمل فيه ، ونحوه لا يدخل عليه تلبيس أهله ، ولا يلتبس عليه فيه أمر كما يلتبس على غيره ممّن ليس بعالم ؛ وهذا كلّه ظاهر .
وقوله عليه السلام : «والحزم مساءة الظنّ» من قبيل قول أميرالمؤمنين عليه السلام : «إذا كان الغدر طباعاً فالثقة بكلّ أحد عجزٌ» ۱ وقول الشاعر :
أسأت إذ أحسنت ظنّي بكموالحزم سوء الظنّ بالناس۲
وقد يتوهّم المنافاة بين هذا وما تضمّن مدح حسن الظنّ ، فالجمع بينهما بأن يقال : أمّا فيما يتعلّق باللّه سبحانه فظاهرٌ ، فإنّ حسن الظنّ باللّه تعالى مرتبة شريفة ، وكذا أنبياؤه ورُسُله والأئمّة عليهم السلام ونحوهم ؛ وأمّا غيرهم حسن الظنّ به من حيث حمل أفعاله وأقواله التي يمكن حملها على وجه صحيح فيما يتعلّق بذلك الغير إذا كان ممّن يحسن الظنّ به . وأمّا ما يتعلّق بمحسن الظنّ ، فإنّه مع تحصيل العلم بدلالة العقل يكون اعتماده على ذلك ، فلا ينبغي الاعتماد على غيره فيما يخالفه ولا يدلّ عليه العقل والشرع .
فبهذا يمكن الجمع ، وفيه إشارة إلى النهي عن اتّباع الظنّ الذي لا يجوز وعدم تقليد الغير والاعتماد عليه لحسن الظنّ به فيما لا يجوز ويتيسّر تحصيل العلم به ، ونحو ذلك .
وبالجملة ، فحسن الظنّ له موارد ، وسوء الظنّ له موارد تظهر بالتتبّع ؛ واللّه تعالى أعلم .

1.عيون الحكم والمواعظ ، لعليّ بن محمّد الليثي الواسطي ، ص ۱۳۴ ؛ عوالي اللئالي ، ج ۲ ، ص ۱۶۳ ، ح ۴۵۲ . وفي تحف العقول ، ص ۳۵۷ وعنه في بحارالأنوار ، ج ۷۵ ، ص ۲۳۹ ، باب مواعظ الصادق عليه السلام ، ذيل ح ۱۰۸ مع اختلاف يسير .

2.شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد ؛ ج ۱۸ ، ص ۲۷۸ ؛ المناقب ؛ للخوارزمي ، ص ۲۵۵ .

  • نام منبع :
    الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
    سایر پدیدآورندگان :
    الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    اوّل
تعداد بازدید : 97646
صفحه از 715
پرینت  ارسال به