209
الدرّ المنظوم من كلام المعصوم

۰.لأنَّ مفارَقةَ الدين مفارَقَةُ الأمن ، فلا يَتهنّاُ بحياة مع مَخافةٍ ، وفَقْدُ العقل فَقْدُ الحياة ، ولا يُقاسُ إلاّ بالأموات» .

وقوله عليه السلام : «لأنّ مفارقة الدين ...» يحتمل وجهين :
أحدهما : أنّ من فقد الدين لا يحصل معه أمن ، فإنّ من كان فاقداً لدين كان عدوّاً لذي الدين ، فالخوف منه دائماً متوقّع مع الصحبة ، ومع الخوف لا يتهنّأ الخائف بحياة .
وكلامهم عليهم السلام في مثل هذا لتعليم الناس ، فلا يرد علمهم ۱ بمن يحصل منه ذلك . و«فقد العقل» أي عقل الأشياء ، أو العقل الغريزي . والأوّل أنسب بالسياق ، والثاني بفقد الحياة والقياس بالأموات .
ويمكن التوجيه بما يوافق الأوّل أو يوافقه الأوّل من المتحمّل مبنيّاً للمفعول فقد لحياة المتحمّل مبنيّاً للفاعل ، إمّا لأنّه مع عدم العقل يكون من تحمّله كفاقد الحياة ؛ إذ الضرر منه دائماً متوقّع . وقد يفرق بينه وبين فاقد الدين بأنّ فاقد الدين قد يبعثه العقل على ما لا يصل إلى مرتبة فقد الحياة ، بل إلى مرتبة الخوف ؛ ولهذا كان التعبير في الأوّل ب «لا يتهنّأ بحياة مع مخافة» ، وفي الثاني . «بفقد الحياة» . وإمّا لأنّ مع عدم المناسبة بين شخصين كعاقل وجاهل مع دوام الصحبة يكون العاقل كفاقد الحياة .
وقد يفرق في هذا المثال بين العاقل والجاهل ، فإنّ الجاهل قد لا يسمّى حينئذٍ فاقد الحياة ؛ فلهذا لم أقل يكون أحدهما كفاقد الحياة ؛ ومن كانت هذه حاله لايقاس إلاّ بالأموات .
الوجه الثاني : أن يكون المعنى : أنّ مفارقة الدين مفارقة لأمن من فارق الدين من العذاب باعتبار وجود العقل ، فلا يتهنّأ بحياة مع مخافة ، وفقد العقل فقد لحياة الفاقد ؛ لأنّ غير العاقل لا ينتفع بحياته كما ينتفع العاقل في تحصيل ثمرة الحياة ، فهو كغير الحيّ أو غير حيّ بالحياة المعتبرة ؛ ومن كان كذلك فحكمه حكم الأموات من حيث إنّ الميّت كما لا يحصل منه بعد الموت ما يترتّب عليه ثمرة ، فكذا غير العاقل ، كما في قوله تعالى : «أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ»۲ ، وقوله تعالى : «صُمُّم بُكْمٌ عُمْىٌ»۳ ونحو ذلك .
ومن هذين الوجهين يظهر احتمال وجهٍ آخَرَ مركّبٍ منهما ؛ أو وجهين ، أحدهما أبعد من الآخر ، وكان السياق يقتضي ترجيح الوجه المتقدّم من الوجهين السابقين ؛ واللّه تعالى أعلم .
وعلى كلّ تقدير ينبغي قراءة «يتهنّأ» مبنيّاً للمفعول ، وإن توهّم مناسبة بناء الفاعل لبعض الوجوه ؛ واللّه تعالى أعلم بمقاصد أوليائه .

1.في «ب ، ج » : «عليهم» .

2.يونس (۱۰) : ۴۲ .

3.البقرة (۲) : ۱۸ .


الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
208

۳۰.محمّد بن يحيى رَفَعَه ، قال :قال أميرالمؤمنين عليه السلام : «من استَحكمَتْ لي فيه خَصلةٌ من خصال الخير احتَمَلْتُه عليها ، واغتفَرْتُ فقدَ ما سِواها ، ولا أغْتفِرُ فَقْدَ عقلٍ ولا دينٍ؛

قوله عليه السلام في حديث محمّد بن يحيى : (من استَحكمَتْ لي فيه خَصلةٌ من خِصالِ الخيرِ احتَمَلْتُه عليها ، واغتفَرْتُ فَقْدَ ماسواها ، ولا أغتَفِرُ فَقدَ عقلٍ ولا دينٍ ؛ لأنّ مُفارَقَةَ الدينِ مُفارقةُ الأمنِ ، فلا يَتَهَنَّأُ بحياةٍ مع مَخافةٍ ، وفَقْدُ العقلِ فَقْدُ الحياةِ ، ولا يُقاسُ إلاّ بالأموات) .
قوله عليه السلام : «لي» يمكن أن يكون ذكره لإفادة أنّ الاستحكام بحسب الظاهر أو بما يقوله الناس غير معتدّ به ، بل المعتبر ما ظهر لي من ذلك وتحقّق ، فالاستحكام متضمّن لهذا المعنى مع إفادته أصل معناه .
أو أن يكون معناه أنّ تلك الخصلة استحكمت لمحبّتي والانقياد إليّ ومعرفة حقّي ، فإذا كانت لغير ذلك لم يعتدّ بها وإن سمّاها الناس خيراً ووصفوها بالاستحكام ، فإنّه لا خير في غير ما يرضيه عليه السلام ، فالاستحكام يكون لغير الخير .
وقوله عليه السلام : «احتملته عليها» يحتمل أوجهاً :
الأوّل : أن يكون «على» فيه للتعليل ، كما قيل في قوله : ( لِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَ?ـكُمْ » 1 فالمعنى : تحمّلته بسببها . وهذا هو الظاهر . وفي معنى التحمّل ما يدلّ على أنّها لا تكفي إلاّ من جهة التحمّل، لاأنّها كافية له عن غيرها من خصال الخير.
والثاني ـ وهو وجه في الجملة ـ أن تكون بمعنى المصاحبة ، كما قيل في قوله تعالى : « وَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى ظُـلْمِهِمْ » 2 .
والثالث كذلك ، وهو أن تكون بمعنى الباء ، كما قيل في «اركب على اسم اللّه » . وهذا قد يرجع إلى الثاني . والرابع ـ وهو أبعدها ـ : أن يكون الإتيان ب «على» لذكر الاحتمال ، دون التحمّل ، بمعنى حمله على هذه الخصلة دون تركه من غير حمل لأجل غيرها .
والخامس : أن يكون بمعنى الاستعلاء المجازي . والظرف مستقرّ ، أي كائناً عليها . أو مستقّراً ؛ أو لغو بمعنى كونه ثابتا أو مقيماً إن لم يكن من المستقرّ . وهذا أيضاً بعيد ، لكنّه وجه في الجملة .
إذا تقرّر هذا ، فالمعنى ـ واللّه أعلم ـ أنّ من تمكّنت فيه خصلة واحدة من خصال الخير بحيث صارت له كالملكة والسجيّة يتحمّله عليه السلام على ما فيه من عدم وجود غيرها من خصال الخير فيه .
ويمكن أن يكون المراد به من لم يكن فيه مع ذلك شيء من خصال الشرّ ، أو شرّ يرجى إصلاحه من جهة الاستحكام ، وكون ذلك له عليه السلام ولا يتحمّل من كان فاقداً للعقل أو فاقداً للدين على معنى منع الخلو ، دون الجمع .

1.الحجّ (۲۲) : ۳۷ .

2.الرعد (۱۳) : ۶ .

  • نام منبع :
    الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
    سایر پدیدآورندگان :
    الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    اوّل
تعداد بازدید : 97467
صفحه از 715
پرینت  ارسال به