۳۰.محمّد بن يحيى رَفَعَه ، قال :قال أميرالمؤمنين عليه السلام : «من استَحكمَتْ لي فيه خَصلةٌ من خصال الخير احتَمَلْتُه عليها ، واغتفَرْتُ فقدَ ما سِواها ، ولا أغْتفِرُ فَقْدَ عقلٍ ولا دينٍ؛
قوله عليه السلام في حديث محمّد بن يحيى : (من استَحكمَتْ لي فيه خَصلةٌ من خِصالِ الخيرِ احتَمَلْتُه عليها ، واغتفَرْتُ فَقْدَ ماسواها ، ولا أغتَفِرُ فَقدَ عقلٍ ولا دينٍ ؛ لأنّ مُفارَقَةَ الدينِ مُفارقةُ الأمنِ ، فلا يَتَهَنَّأُ بحياةٍ مع مَخافةٍ ، وفَقْدُ العقلِ فَقْدُ الحياةِ ، ولا يُقاسُ إلاّ بالأموات) .
قوله عليه السلام : «لي» يمكن أن يكون ذكره لإفادة أنّ الاستحكام بحسب الظاهر أو بما يقوله الناس غير معتدّ به ، بل المعتبر ما ظهر لي من ذلك وتحقّق ، فالاستحكام متضمّن لهذا المعنى مع إفادته أصل معناه .
أو أن يكون معناه أنّ تلك الخصلة استحكمت لمحبّتي والانقياد إليّ ومعرفة حقّي ، فإذا كانت لغير ذلك لم يعتدّ بها وإن سمّاها الناس خيراً ووصفوها بالاستحكام ، فإنّه لا خير في غير ما يرضيه عليه السلام ، فالاستحكام يكون لغير الخير .
وقوله عليه السلام : «احتملته عليها» يحتمل أوجهاً :
الأوّل : أن يكون «على» فيه للتعليل ، كما قيل في قوله : ( لِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَ?ـكُمْ » 1 فالمعنى : تحمّلته بسببها . وهذا هو الظاهر . وفي معنى التحمّل ما يدلّ على أنّها لا تكفي إلاّ من جهة التحمّل، لاأنّها كافية له عن غيرها من خصال الخير.
والثاني ـ وهو وجه في الجملة ـ أن تكون بمعنى المصاحبة ، كما قيل في قوله تعالى : « وَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى ظُـلْمِهِمْ » 2 .
والثالث كذلك ، وهو أن تكون بمعنى الباء ، كما قيل في «اركب على اسم اللّه » . وهذا قد يرجع إلى الثاني . والرابع ـ وهو أبعدها ـ : أن يكون الإتيان ب «على» لذكر الاحتمال ، دون التحمّل ، بمعنى حمله على هذه الخصلة دون تركه من غير حمل لأجل غيرها .
والخامس : أن يكون بمعنى الاستعلاء المجازي . والظرف مستقرّ ، أي كائناً عليها . أو مستقّراً ؛ أو لغو بمعنى كونه ثابتا أو مقيماً إن لم يكن من المستقرّ . وهذا أيضاً بعيد ، لكنّه وجه في الجملة .
إذا تقرّر هذا ، فالمعنى ـ واللّه أعلم ـ أنّ من تمكّنت فيه خصلة واحدة من خصال الخير بحيث صارت له كالملكة والسجيّة يتحمّله عليه السلام على ما فيه من عدم وجود غيرها من خصال الخير فيه .
ويمكن أن يكون المراد به من لم يكن فيه مع ذلك شيء من خصال الشرّ ، أو شرّ يرجى إصلاحه من جهة الاستحكام ، وكون ذلك له عليه السلام ولا يتحمّل من كان فاقداً للعقل أو فاقداً للدين على معنى منع الخلو ، دون الجمع .