219
الدرّ المنظوم من كلام المعصوم

۴.عليُّ بن محمّد وغيرُه ، عن سهل بن زياد ؛ ومحمّدُ بن يحيى ، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى ، جميعا عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن أبي حمزةَ ، عن أبي إسحاقَ السَّبيعي ، عمّن حَدَّثَه ، قال : سمعتُ أميرَ المؤمنين عليه السلام يقول :«أيّها النّاس ، اعلَموا أنّ كمالَ الدين طلبُ العلم والعملُ به ، ألا وإنَّ طلبَ العلم أوجَبُ عليكم من طلب المال ؛ إنّ المالَ مَقسومٌ مضمونٌ لكم ، قد قَسَمَه عادلٌ بينكم ، وضَمِنَه وسَيَفي لكم ، والعلمُ مخزونٌ عند أهله ، وقد اُمِرْتُمْ بطلبه من أهله ، فَاطلُبوهُ» .

قوله عليه السلام في حديث أبي إسحاق السبيعي : (أيّها الناسُ ، اعلَموا أنّ كمالَ الدينِ طلبُ العلمِ والعملُ به ، ألا وإنّ طَلَبَ العلمِ أوجَبُ عليكم من طلَبِ المالِ ...) .
لمّا كان أصل الدين يحصل بالإقرار بالشهادتين ، كانَ الكمال بالعلم والعمل معاً ، فكما لا يحصل الكمال بالعلم وحده لا يحصل بالعمل وحده ؛ لانتفاء فائدة كلّ منهما بدون الآخر .
وقوله عليه السلام : «وإنّ طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال» يمكن أن يكون التفضيل فيه على أصله ، بمعنى أنّ طلب المال والسعي في تحصيله واجبٌ في الجملة ، ومع هذا يمكن أن يصل إلى صاحبه من غير سعي ، وقد يكون الضمان والوصول في بعضه متوقّفاً على شرط كالتوكّل والسعي ونحوه ، بخلاف العلم ، فإنّ اللّه سبحانه لم تقتض حكمته أن يوصل إلى أحد حصّة من العلم من غير تعلّمٍ من أهله وسعي في تحصيله ، سوى المستثنى من المعرفة في الجملة ، بل خزَنَه عند أهل العلم وأمر بتحصيله منهم ، وذلك بخلاف الرزق ، فإنّ المضمون منه لابدّ أن يصل إلى صاحبه إمّا بغير شرط أو مع الشرط .
وربما فرّق بين المضمون والمقسوم ، فالمضمون لابدّ ۱ من وصوله ، سواء سعى صاحبه أم لا ، والمقسوم قد يتوقّف على السعي ، فإذا صادف محلّ القسمة وَصَلَ إلى صاحبه . ويمكن أن يكون هذا المقسوم غير المقسوم في كلامه عليه السلام ، فإنّه يكون بمعنى الذي قسمه اللّه وضمنه ، فلاينافيه هذا ـ إن ثبت ـ بما يعتمد عليه ؛ واللّه أعلم .
ويحتمل أن يكون المراد أنّ طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال من الناس الذي يحتجّ طالبه بأنّه واجب عليه ؛ لأنّ تحصيل الكفاية أو ما تقوم به الحياة واجبٌ ، فخطابه عليه السلام لمثل هذا بأنّ الرزق مضمون يصل إلى الإنسان ولو بالاحتياج إلى السعي بغير هذا الطلب ، فيقال لمن يدّعي وجوب مثله : غيره أوجب عليك منه إذا كان الغير واجبا دونه ؛ وهذا بخلاف العلم .
والأوّل أظهر ؛ واللّه أعلم .
وعلى التقديرين يمكن الجمع بين القسمة والضمان والأمر بالسعي بما تقدّم ونحوه ؛ فتأمّل .

1.في «ج» : + «له» .


الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
218

۲.محمّدُ بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن عبداللّه ، عن عيسى بن عبداللّه العُمَريّ ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال :«طلبُ العلم فريضةٌ» .

۳.عليُّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس بن عبدالرحمن ، عن بعض أصحابه ، قال :سُئل أبوالحسن عليه السلام : هل يَسَعُ الناسَ تَرْكُ المسألة عمّا يَحتاجون إليه؟ فقال : «لا» .

بتقليد مَن كان كذا وكذا ۱ ، وغيره ؛ فمن لم يكن له هذه القوّة ورجع إلى غيره فهو طالب أيضاً لعلم ما يحتاج إليه ، وواجبٌ عليه ذلك .
وهذا هو معنى الاجتهاد والتقليد عند الإماميّة .
وأمّا وجوبه عيناً بالمعنى الأوّل ، فيشهد ببطلانه العقل والنقل ، ويلزم منه تكليف ما لا يطاق ، أو سقوط التكليف عن بعض المكلّفين .
نعم ، من كان قادراً على العلم بالمعنى الأوّل ، فالظاهر أنّه يجب عليه تحصيله ، ومن كان قادراً على علم شيء من غير تقليد فيه ، وجب عليه علم ذلك المقدار ، والرجوع فيما عداه إلى غيره ممّا يحتاج إليه ؛ بمقتضى العلم في الحديث . ولتفصيله محلّ آخر .
والقرآن ناطق بما يدلّ على وجوب التعلّم ؛ فالفريضه بمعناها المشهور وكذا السنّة ؛ فالفريضة بمعنى الواجب .
و«البغاة» جمع باغ ، كقُضاة وقاض ، وهو الطالب . ويمكن أن يكون من «بغا الشيء» الواوي ، بمعنى نظر إليه كيف هو ، ويكون فائدته في الحديث التنبيهَ على أنّ طالب العلم ينبغي أن ينظر إلى علمه الذي يطلبه ويحصّله كيف يأخذه ومن أين يأخذه ، فلا ينظر إلى مجرّد التسمية بالعلم وطالبه .
وهذا أحسن من الأوّل ، فإنّ العدول في الأوّل كأنّه لعدم تكرار هذه المادّة فقط ؛ إلاّ أن يقال : إنّه مشعر بزيادة عن مطلق الطلب .
وفي هذا ـ وهو الثاني ـ معنى شريف ؛ واللّه تعالى أعلم .

1.الاحتجاج ، ج ۲ ، ص ۳۵۵ .

  • نام منبع :
    الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
    سایر پدیدآورندگان :
    الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    اوّل
تعداد بازدید : 99422
صفحه از 715
پرینت  ارسال به