227
الدرّ المنظوم من كلام المعصوم

۲.محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن خالد ، عن
أبي البَخْتريّ، عن أبيعبداللّه عليه السلام ، قال:
«إنّ العلماءَ ورثة الأنبياء، وذاك أنَ الأنبياءَ لم يُورِثوا درهما ولا دينارا ، وإنَّما أورَثوا أحاديثَ من أحاديثهم ، فمَن أخَذَ بشيء منها فقد أخَذَ حظّا

قوله عليه السلام في حديث أبي البَخْتَري : (إنّ العلماءَ وَرَثَةُ الأنبياءِ ، وذاكَ أنّ الأنبياءَ
لم يورِثوا درهماً ولا ديناراً ، وإنّما أوْرَثوا أحاديثَ من أحاديثهم ، فمن أخَذَ بشيءٍ منها فقد أخَذَ حظّاً وافراً)
.
هذا الحديث يدلّ على خلاف ما ادّعى من معنى قوله صلى الله عليه و آله : «نحن معاشر الأنبياء لا نورث» ۱ وذلك لأنّه لمّا قال : «إنّ العلماء ورثة الأنبياء» ربما توهّم من هذا الكلام أنّ الأنبياء لا يورثون صاحب الميراث المالي فاستأنف عليه السلام ذلك وعلّله بقوله : «وذاك أنّ الأنبياء
لم يورثوا درهماً ولا ديناراً ...» ومعناه أنّ الوارث هنا إنّما يرث وإن كان أجنبيّاً من حيث النسب ؛ لأنّ الأنبياء لم يتركوا الوارث المال شيئاً ممّا ذكر يصل إليه بالميراث النسبي ونحوه حتّى يكون مختصّاً بهم، بل ورّثوا أحاديث من أحاديثهم،وذلك لايختصّ به الوارث للمال.
وحمل التوريث على ما ذُكر هو الذي يقتضيه المقام وسياق الكلام ، فلا يرد أنّه عدل عن غيره مع احتمالها ، أو ظهور المعنى الآخر .
والدرهم والدينار يحتمل أن يكون المراد بهما النوعان ، وأن يكونا كناية عن المتروكات ، أو عن الشيء المعتدّ به .
وإن ثبت توريث بعض الأنبياء على أحد الأوجه ، اُجيب ببعضها أو بتخصيص العامّ وأنّ الحكم باعتبار الأغلب .
وطلب فاطمة عليهاالسلام الميراث يمكن أن يكون طلبا لحقّها من هذه الجهة ؛ حيث منعت من غيرها ؛ واللّه تعالى أعلم . قال والدي قدّس سرّه :
قد يقال : إنّ هذا الخبر يدلّ على ما ادّعاه الأوّل لأجل منع فاطمه عليهاالسلام ، والحال أنّ الأصحاب لم يتوجّهوا إليه .
ويمكن الجواب بأنّ المراد نفي التوريث من حيث النبوّة ، وأمّا من حيث غيرها فالميراث منهم . ويدلّ عليه إرث العلماء منهم ، فإنّه إنّما يتعلّق من حيث النبوّة ؛ حيث إنّ العلماء ورثة الأنبياء في هذا الخبر ، فلمّا ذكر عليه السلام ذلك أراد نفي إرادة توريث المال ، بل العلم .
انتهى كلامه أعلى اللّه مقامه .
وبه تمّ ما رأيته بخطّه ـ قدّس سرّه ـ في مجموعة على هذه الأحاديث التي نقلت كلامه عليها ، وقد رأيته بعد ما كتبت مضمون ما تقدّم في حاشية المعالم ، وفّق اللّه لإتمامها ولكلّ ما له فيه رضى .

1.دلائل الإمامة ، للطبري ، ص ۱۱۸ ؛ الاحتجاج ، ج ۱ ، ص ۱۰۴ . وللمزيد راجع : رسالة حول حديث «نحن معاشر الأنبياء ...» ، للشيخ المفيد (مجموعة مصنّفات الشيخ المفيد) ج ۱۰ ، ص ۱۷ـ۲۹ .


الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
226

۰.وما خلاهنّ فهو فَضْلٌ» .

وقوله عليه السلام : «وما خلاهنّ فهو فضل» الظاهر أنّ المراد به أنّ ما عداهنّ زيادة غير محتاج إليها ، ويمكن دخول ما يتوقّف عليه من باب المقدّمة ، ولعلّ تركه لعدم الاحتياج سابقاً إلى أكثر المقدّمات وتيّسر فهم ما يراد منهم عليهم السلام بالسليقة ، ولكنّه من جملة كون الأمر بالشيء أمراً بما يتوقّف عليه ؛ ومن جملة الفضل ما زاد عمّا يحتاج إليه من المقدّمات .
ويحتمل أن يراد بالفضل معنى أنّ من اتّصف بغير ما ذكر لا يستحقّ صاحبه الوصف بالعلم ، بل يقال : إنّه فاضل ؛ لأنّ العلم منحصر فيما ذكر .
وقوله عليه الصلاة والسلام في جملة الحديث : «وما العلاّمة» لإرادته عليه السلام أن يخبروا بما يعتقدونه من معنى العلاّمة فينبّههم على الخطأ في هذه التسمية ، بل في أصل العلم فضلاً عن العلاّمة .
وقولهم : «والأشعار والعربيّة» لا ينافي كون علم العربيّة المدوّن الآن لم يكن في عصره عليه السلام ، فإنّ العرب كان فيهم من يميّز الكلام الصحيح من غيره ، والفصيح كذلك ؛ وكانوا يرجعون إلى آحاد منهم في ذلك . وقصّة حسّان بن ثابت مع الخنساء في مجلس النابغة في البيت المشهور مشهورةٌ من قوله :
لنا الجفنات الغرّ يلمعن في الضحىوأسيافنا يقطرن من نجدة دما۱.
واعتراضها بذكر الأسياف دون السيوف ، ويقطرن دون يسلن ، وبالجفنات دون الجفان وغير ذلك ؛ فعلم العربيّة كان يعرف بالسليقة ، ويظهر الصحيح من الكلام والفاسد والفصيح وغيره لبعض دون بعض وإن كان كلامه صحيحاً .

1.ديوان حسّان بن ثابت ، ص ۶۹ ؛ التبيان ، ج ۲ ، ص ۱۷۵ ؛ مجمع البيان ، ج ۶ ، ص ۳۹۴ ؛ تفسير القرطبي ، ج ۱۸ ، ص ۳۱۱ ؛ البرهان ، للزركشي ، ج ۳ ، ص ۵۵ .

  • نام منبع :
    الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
    سایر پدیدآورندگان :
    الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    اوّل
تعداد بازدید : 97027
صفحه از 715
پرینت  ارسال به