۰.وافرا ، فانظُروا عِلْمَكم هذا عمّن تأخذونه؟ فإنَّ فينا ـ أهلَ البيت ـ في كلّ خَلَفٍ عُدولاً يَنفون عنه تحريفَ الغالين ، وانتحالَ المبطلين ، وتأويلَ الجاهلين» .
قوله عليه السلام فيه : (فَانْظُروا علمَكم هذا عمّن تأخُذُونَه؟ فإنّ فينا أهلَ البيتِ في كلّ خَلَفٍ عدولاً يَنْفُونَ عنه تحريفَ الغالينَ ، وانْتِحالَ المُبطلينَ ، وتأويلَ الجاهلينَ) .
قوله عليه السلام : «فانظروا ..» أمر لمن يأخذ العلم بأن لا يأخذه إلاّ ممّن ورّث العلم من الأنبياء ، وأن لا يأخذ إلاّ ما وصل منهم إلى العلماء على سبيل الإرث .
وفي الإشارة بهذا إشارةٌ إلى أنّ غيره ليس من العلم الذي يُنتفع به ، فمن أراد أخذه أخَذَه من أيّ من شاء ، لا أنّه أمرٌ بأخذه ، بل هو للدلالة على أنّ ما كان كذلك فليس بشيء وليس له معدن .
ثمّ بيّن عليه السلام مواضع أخذه ؛ لأنّ الحقّ كثيراً مّا يشاب بالباطل ، وبسبب عدم التميز يذهب الباطل بالحقّ ويترتّب عليه مفاسد الاختلاف .
وقد تقدّم وجه الاختلاف بين الإماميّة فقال عليه السلام : «فإنّ فينا ...» أي فإنّ في زمان كلّ خلف ـ أي واحد منهم عليهم السلام يخلف من قبله ـ جماعةً موصوفين بهذه الصفات . والظاهر شمول ذلك لزمان الغيبة الكبرى ، ففيه أمرٌ بأخذه عن مثل هؤلاء ، ونهيٌ عن أخذه عمّن لم يتّصف بهذه الصفات ، فهو دالّ على عدم الاعتماد على رواية مخالفي المذهب وموافقيه غير العدول .
ولعلّ المتقدّمين ـ رضوان اللّه عليهم ـ كان اعتمادهم على القرائن الدالّة على صحّة الحديث ، وإلاّ فكيف يخفى عليهم هذا مع نقل ما يدلّ على اجتنابه .
فإن قلت : إذا كان من جملة القرائن أن يروي الحديثَ الذي رواه المخالف العدلُ الإمامي أيضاً ، فلِمَ عدلوا عنه إلى ذكر المخالف؟
قلت : على هذا التقدير ربما لم ينقلوه عنه بطريق الرواية ، بل وجدوه في كتاب ونحوه . والمقصود من سند الرواية ذكر المرويّ عنه في جميع السند . واحتمالُ كون المراد من العدالة ما يدخل تحته نحو المخالف الثقة بعيدٌ ، فإنّه جاهل مبطل أو غال .
وفي التعبير ب «فينا» دون «منّا» إشارة إلى أنّ العدول غيرهم ، ولا يلزم أن يكونوا منهم غير أئمّة حتّى لو كان لفظ «منّا» حمل على هذا المعنى كما في «سلمان منّا أهل البيت» . ۱
والتحريفُ من الغالين حملُهم الكلام على ما يُناسب اعتقادهم الفاسد ونحوه .
و«انتحالُ المبطلين» نسبتُهم إليهم عليهم السلام أحاديث ونحوها توافق ماهم عليه من الباطل ، يقال : انتحل فلان شعر غيره أو قول غيره : إذا ادّعاه لنفسه . و«تأويل الجاهلين» وهم الذين لا يعرفون مواقع الكلام ومعانيه ومصادره وموارده ، فيحملونه على ما يخطر ببالهم .
ويمكن أن يكون المراد بالجاهلين ما يعمّ كلّ من لم يأخذه على وجهه ، ويجزم بتأويل يقتضيه جهله ، ولا يكون مدلولاً ولا ظاهراً ونحو ذلك ؛ واللّه تعالى أعلم .