231
الدرّ المنظوم من كلام المعصوم

۵.محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن سنان ، عن إسماعيل بن جابر ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال :«العلماءُ اُمناءُ ، والأتقياءُ حصونٌ ، والأوصياءُ سادةٌ» .
وفي رواية اُخرى : «العلماءُ مَنارٌ ، والأتقياءُ حصونٌ ، والأوصياءُ سادةٌ» .

قوله في حديث إسماعيل بن جابر : (العلماءُ اُمناء ، والأتقياء حصونٌ ، والأوصياء سادةٌ . وفي رواية آُخرى : العلماء منارٌ ...) .
وفي بعض النسخ : «الأوصياء منارٌ ، والأتقياء حصون ، والعلماء سادة» .
والمراد من العلماء أهل العلم الحقيقي ، فإنّهم هم الموصوفون بالأمانة وهم أهلها .
وفيه إيماءٌ إلى أنّ من لا أمانة له لا يؤخذ عنه العلم .
والمراد من الأتقياءِ ـ واللّه أعلم ـ الأتقياءُ من العلماء ، فإنّ التقوى بغير علم لا يتحقّق كالعلم بغير تقوى ، إلاّ أن يكون من يوصف بالتقوى من غير أهل العلم الذين يمكنهم التعلّم ، ويكون تقواه مأخوذة عن العالم ، وهذا إن سمّي عالما فبها ، وإلاّ فالظاهر أنّ دخوله في الأتقياء الذين هم حصون من حيث الضميمة إلى العلماء الأتقياء .
فكان المراد من العلماء من يكون عندهم من التقوى مالا يخرجهم عن الأمانة في تأدية العلم وغيره ، ومن الأتقياء منهم من عنده زيادة في التقوى عن الأوّل ولهذا كانوا حصوناً ، فإنّ زيادة تقواهم تبعثهم على التشدّد في أمر العلم والدين ، فأشبهوا الحصون . وأمّا العالم الأوّل فليست عنده تلك الشدّة ، بل هو أمين على ما عنده من العلم .
ويمكن أن يكون المراد بكونهم حصوناً أنّ اللّه سبحانه يمنع بسببهم عباده من أن ينزل بهم قحط أو نحوه ، كما في بعض الآثار ممّا معناه أنّ للّه عباداً بهم يرزقون وبهم يمطرون ۱ ، والأوصياء لا يكونون إلاّ علماء أتقياء .
وكونهم سادة العلماء والأتقياء فضلاً عن غيرهم ظاهرٌ ، فإنّهم مصدر العلوم والتقوى ومعدنهما ۲ ، ومنهم اُخذت .
وتأخيرهم في الذكر للإخبار بأنّهم سادة لمن ذكر وغيره ، أو لأنّهم سادة من ذكر فقط ، فإنّ غير العلماء والأتقياء لا يكونون لهم سادة ؛ لكونهم غير منقادين إليهم . وهذا الوجه لا ينافي عموم سيادتهم بمعنى آخر .
وأمّا العلماء بغير تقوى والمتّقون بغير علم فلا يدخلون هنا ، ولا يليق حمل الكلام على ما يقتضي إدخالهم ؛ لدلالة العقل والنقل على خلافه ، وكلام المعصوم يجلّ عنه .
نعم ، بقي احتمال ، وهو أن يكون المراد تفسير العلماء بأنّهم هم الاُمناءُ فمن لم يكن أميناً لا يكون عالماً .
وتفسير الأتقياء بالحصون للمناسبة بين معنى التقوى والحصن ، فكما يمنع الحصن ويقي مادار عليه ، فكذا التقوى تمنع من ارتكاب ما لا يجوز ، وتقي صاحبها منه .
وتفسير الأوصياء بأنّهم سادة لأنّهم قد استخلفوا من قبل اللّه ، وقيل : من نَصَّ عليهم بأمره ، ومن كان كذلك فهو سيّدٌ واجب الاتّباع والطاعة .
وهذا وجه جيّد ، والفرق بينه وبين ما تقدّم اعتباريٌّ ؛ واللّه تعالى أعلم والتوجيه على الرواية والنسخة يظهر ممّا ذكرناه .

1.الخصال ، ص ۳۶۱ ، ح ۵۰ ؛ رجال الكشّي ، ص ۶ ، ح ۱۳ ؛ شواهد التنزيل ، للحسكاني ، ج ۲ ، ص ۴۵۰ ، ح ۱۱۱۵ ؛ روضة الواعظين ، ج ۳ ، ص ۲۸۰ ؛ تفسير فرات الكوفي ، ص ۵۷۰ ، ح ۵۷۰ . وعنهم في بحارالأنوار في مواضع متعدّدة .

2.في «ألف ، ب ، ج » : «معدنها» .


الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
230

۳.الحسينُ بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الحسن بن عليّ الوشّاء ، عن حمّاد بن عثمانَ ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال :«إذا أرادَ اللّه ُ بعبد خيرا فَقَّهَه في الدين» .

۴.محمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن حمّاد بن عيسى ، عن رِبْعِيّ بن عبداللّه ، عن رجل ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : قال :«الكمالُ كلُّ الكمالِ : التفقّهُ في الدين ، والصبرُ على النائبة ، وتقديرُ المعيشة» .

قوله عليه السلام في حديث حمّاد بن عثمان : (إذا أرادَ اللّه ُ بعبدٍ خيراً فَقَّهَه في الدين) .
الإرادة لها معانٍ تأتي إن شاء اللّه تعالى ، واللّه تعالى لا شكّ في أنّه يريد الخير من كلّ أحد ولكلّ أحد ، ولكن إذا أطاعه العبد هَيَّأَ له أسباب الخير وأعانه عليه وأعظمه التفقّه في الدين ، فهذا ممّن أراد اللّه به الخير ومنه ، ومن لم يكن كذلك يريده منه ، لا به ؛ وفرق ما بينهما .
وحديث بشير الآتي يؤيّد مضمون ما ذكر في هذا الحديث ، وعدل اللّه وحكمته يقتضيان ذلك .
وعلى كون الإرادة بمعنى العلم المعنى ظاهرٌ ۱ ؛ واللّه أعلم .
قوله عليه السلام في حديث رِبْعيّ : (الكمالُ كلُّ الكمالِ : التفقّهُ في الدين ، والصبرُ على النائبة ، وتقديرُ المعيشة) .
هذا من قبيل قولك : «أنت الرجل كلّ الرجل» إذا أردت أنّه جامع لصفات كلّ رجل ممّا يقتضي المقام جمعه . والمعنى هنا أنّ الكمال منحصرٌ في هذه الثلاثة حصراً إضافيّاً أو خطابيّاً ونحوه ، وأعظمها ما تقدّم ذكره .
و«النائبة» : المصيبة . والباقي ظاهرٌ .

1.في «ألف ، ب ، ج » : - «وعلى كون الإرادة بمعنى العلم المعنى ظاهر» .

  • نام منبع :
    الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
    سایر پدیدآورندگان :
    الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    اوّل
تعداد بازدید : 96908
صفحه از 715
پرینت  ارسال به