255
الدرّ المنظوم من كلام المعصوم

۶.وبهذا الإسناد ، عن محمّد بن خالد ، عن محمّد بن سنان ، رفعه ، قال :قال عيسى ابن مريم عليه السلام : «يا معشر الحواريّين ، لي إليكم حاجةٌ اقضوها لي» ، قالوا : قُضِيَتْ حاجتُك يا روح اللّه ، فقام فغَسَلَ أقدامَهم ، فقالوا : كُنّا نحن أحقَّ بهذا يا روح اللّه ، فقال : «إنَّ أحقَّ النّاس بالخدمة العالمُ ، إنّما تواضَعْتُ هكذا لكيما تَتَواضَعوا بعدي في الناس كتواضعي لكم» ثمَّ قال عيسى عليه السلام : «بالتواضع تُعمر الحكمةُ لا بالتكبّر ، وكذلك في السَّهْل يَنْبُتُ الزرْعُ ، لا في الجَبَل» .

۷.عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عليّ بن معبد ، عمّن ذكره ، عن مُعاويةَ بن وَهْب ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال :«كان أميرُ المؤمنين عليه السلام يقول : يا طالب العلم ، إنَّ للعالم ثلاثَ

قوله عليه السلام في حديث محمّد بن سنان : (بالتواضع تُعْمَرُ الحكمةُ لا بِالتكبُّرِ ، وكذلك في السَّهْلِ يَنْبُتُ الزرعُ لا في الجَبَلِ) .
لاشبهة في أنّ العالم إذا كان متواضعاً ، أقبلت عليه القلوب ولم تتنفّر منه ، وإذا كان متكبّراً نفرتْ منه ، وميل الناس إليه وتعلّمهم منه سبب لعمارة الحكمة وقيام نظامها ، وتنفّرهم سبب لهدم بُنيانها ، فتكبّر ۱ العالم يلحقه مع ما يلزم التكبّر من الإثم ، إثم هَدْم بناء الحكمة ؛ واللّه أعلم .
قوله عليه السلام في حديث معاوية بن وَهْب : (يا طالبَ العلمِ ، إنّ للعالمِ ثَلاثَ عَلاماتٍ : العلمَ والحلمَ والصمتَ ، وللمُتكلِّفِ ثلاثَ علاماتٍ : يُنازِعُ مَن فوقَه بالمعصية ، ويَظلِمُ مَن دونَه بالغَلَبَة ، ويُظاهِرُ الظَّلَمَةَ) .
قوله عليه السلام : «يا طالب العلم» يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون نداء لمن يريد تحصيل العلم ، فنبّهه عليه السلام بأنّ للعالم ثلاث علامات ، فإذا رأيتهنّ في عالم فاطلب منه العلم وحَصِّلْه . وهذا أيضاً يفيده أنّه ينبغي أن يكون هكذا ليكون عالماً .
إحداها : العلم الذي يسمّى علماً حقيقةً ؛ فلا عبرة بما قد يسمّى علماً وهو محض القشر من دون لبّ يُنتفع به .
الثانية : الحلم الذي هو لازم للعلم المذكور ، فإنّه من جملة العمل بالعلم ، بل هو من العمدة في العمل ؛ لما يترتّب على عدم الأناة والرفق من المفاسد التي تخرج العالم عن كونه عالماً .
وإن اُريد بالعلم ما يدخل تحته الحلم والصمت ، يكون ذكراً لهما صريحاً بعد ذكرهما ضمناً ؛ وإن اُريد العلم مع قطع النظر عن اللوازم فالأمر واضح . ولعلّ هذا أظهر .
والثالثة : الصمت فيما ينبغي الصمت عنده ، فإنّ فيه راحة العقل ، وهو علامة الفهم للأشياء ، وفي النطق راحة اللسان كما ورد في الحديث . ۲
وهما متضادّ ان ، ولا شبهة في أنّ ملاحظة العقل وراحته ممّا يقود صاحبه إلى أنواع الخير ودفع الضرر ، ومجرّد ملاحظة راحة اللسان قد يترتّب عليها مفاسد لاتحصى ، فربّ كلمة جلبت حتفاً وضرراً دنيويّاً واُخرويّاً ؛ ولهذا قيل : «لسانُ العاقل وراء قلبه ، وقلبُ الجاهل وراء لسانه» . ۳

1.في «ألف ، ب ، ج » : «فبتكبّر» .

2.ورد في الحديث عن الصادق عليه السلام : «النطق راحة للروح ، والسكوت راحة للعقل» . راجع : الفقيه ، ج ۴ ، ص ۴۰۲ ، ح ۵۸۶۵ ؛ الأمالي ، للصدوق ، ص ۴۴۱ ، المجلس ۶۸ ، ح ۱. وفي وسائل الشيعة ، ج ۱۲ ، ص ۱۸۶ ، ح ۱۶۰۳۷ ، وبحارالأنوار ، ج ۶۸ ، ص ۲۷۶ ، باب السكوت والكلام... ، ح ۶ عن الأمالي .

3.نهج البلاغة ، ص ۴۷۶ ، الحكمة ۴۰. وفيه : «الأحمق» بدل «الجاهل» .


الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
254

۴.محمّدُ بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ؛ ومحمّدُ بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان النيسابوريّ جميعا ، عن صفوانَ بن يحيى ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام ، قال :«إنَّ من علامات الفقه الحلمَ والصمتَ» .

۵.أحمد بن عبداللّه ، عن أحمد بن محمّد البرقيّ ، عن بعض أصحابه ، رَفَعَه ، قال :قال أميرالمؤمنين عليه السلام : «لا يكونُ السَّفَهُ والغِرَّةُ في قلب العالم» .

قوله عليه السلام في حديث صفوان : (إنّ مِن عِلاماتِ الفقه۱الحلمَ والصمتَ) .
«الفقه» هنا يحتمل معنيين :
أحدهما : فقه الأشياء وفهمها ، فإنّ الإنسان إذا كان حليماً لم يمنعه غضبه وطيشه عن التعلّم والتفقّه ، وإذا كان غير حليم كان ذلك مانعاً له عنهما . والصمت من الإنسان يدلّ أيضاً على فقهه ۲ الأشياء ، فإنّ الذي يفقه لا يتكلّم إلاّ بما تدعو الحاجة إليه ، بخلاف من قصده الجدال ونحوه ، فإنّه يكثره ليظفر بما يريده من المنازعة .
والثاني : أن يكون المعنى : من علامات كون الإنسان فقيهاً قد حصل الفقه على وجهه أن يكون حليماً ؛ لأنّ الحلم لازم للفقيه حقّ الفقيه ، وكذا الصمت ؛ واللّه أعلم .
قوله عليه السلام في حديث البرقي : (لا يكونُ السَّفَه والغِرَّةُ في قلب العالِم) .
«السفه» ضدّ الحلم ، وأصله الخفّة والحركة . عن الصحاح وعن القاموس : السَّفَه ـ محرّكة ـ : خفّة الحلم أو نقيضه ، أو الجهل . ۳
و«الغرّة» : الخديعة والغفلة . ۴
فالمعنى أنّه لا يكون خادعاً لغيره ولا غارّاً له ، فإنّ العالم الذي يسمّى عالماً لا يشتمل على مثل هذين من النقائص . وأمّا الغرّة بمعنى الغفلة فيمكن إرادتها ، بمعنى أنّه لا يكون غافلاً عمّا يتعلّق بدينه . وأمّا كونه لا يغرّ فيمكن إرادته بما ذكر في معنى الغفلة ، لا مطلقا ، فإنّ المؤمن غِرٌّ كريم ؛ واللّه أعلم .

1.في الكافي المطبوع وبعض نسخه : «الفقيه» .

2.في «د» : «فقه» .

3.الصحاح ، ج ۶ ، ص ۲۲۳۴ ؛ القاموس المحيط ، ج ۴ ، ص ۲۸۵ (سفه) .

4.الصحاح ، ج ۲ ، ص ۷۶۸ ؛ القاموس المحيط ، ج ۲ ، ص ۱۰۱ ، (غرر) .

  • نام منبع :
    الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
    سایر پدیدآورندگان :
    الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    اوّل
تعداد بازدید : 77861
صفحه از 715
پرینت  ارسال به