۶.وبهذا الإسناد ، عن محمّد بن خالد ، عن محمّد بن سنان ، رفعه ، قال :قال عيسى ابن مريم عليه السلام : «يا معشر الحواريّين ، لي إليكم حاجةٌ اقضوها لي» ، قالوا : قُضِيَتْ حاجتُك يا روح اللّه ، فقام فغَسَلَ أقدامَهم ، فقالوا : كُنّا نحن أحقَّ بهذا يا روح اللّه ، فقال : «إنَّ أحقَّ النّاس بالخدمة العالمُ ، إنّما تواضَعْتُ هكذا لكيما تَتَواضَعوا بعدي في الناس كتواضعي لكم» ثمَّ قال عيسى عليه السلام : «بالتواضع تُعمر الحكمةُ لا بالتكبّر ، وكذلك في السَّهْل يَنْبُتُ الزرْعُ ، لا في الجَبَل» .
۷.عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عليّ بن معبد ، عمّن ذكره ، عن مُعاويةَ بن وَهْب ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال :«كان أميرُ المؤمنين عليه السلام يقول : يا طالب العلم ، إنَّ للعالم ثلاثَ
قوله عليه السلام في حديث محمّد بن سنان : (بالتواضع تُعْمَرُ الحكمةُ لا بِالتكبُّرِ ، وكذلك في السَّهْلِ يَنْبُتُ الزرعُ لا في الجَبَلِ) .
لاشبهة في أنّ العالم إذا كان متواضعاً ، أقبلت عليه القلوب ولم تتنفّر منه ، وإذا كان متكبّراً نفرتْ منه ، وميل الناس إليه وتعلّمهم منه سبب لعمارة الحكمة وقيام نظامها ، وتنفّرهم سبب لهدم بُنيانها ، فتكبّر ۱ العالم يلحقه مع ما يلزم التكبّر من الإثم ، إثم هَدْم بناء الحكمة ؛ واللّه أعلم .
قوله عليه السلام في حديث معاوية بن وَهْب : (يا طالبَ العلمِ ، إنّ للعالمِ ثَلاثَ عَلاماتٍ : العلمَ والحلمَ والصمتَ ، وللمُتكلِّفِ ثلاثَ علاماتٍ : يُنازِعُ مَن فوقَه بالمعصية ، ويَظلِمُ مَن دونَه بالغَلَبَة ، ويُظاهِرُ الظَّلَمَةَ) .
قوله عليه السلام : «يا طالب العلم» يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون نداء لمن يريد تحصيل العلم ، فنبّهه عليه السلام بأنّ للعالم ثلاث علامات ، فإذا رأيتهنّ في عالم فاطلب منه العلم وحَصِّلْه . وهذا أيضاً يفيده أنّه ينبغي أن يكون هكذا ليكون عالماً .
إحداها : العلم الذي يسمّى علماً حقيقةً ؛ فلا عبرة بما قد يسمّى علماً وهو محض القشر من دون لبّ يُنتفع به .
الثانية : الحلم الذي هو لازم للعلم المذكور ، فإنّه من جملة العمل بالعلم ، بل هو من العمدة في العمل ؛ لما يترتّب على عدم الأناة والرفق من المفاسد التي تخرج العالم عن كونه عالماً .
وإن اُريد بالعلم ما يدخل تحته الحلم والصمت ، يكون ذكراً لهما صريحاً بعد ذكرهما ضمناً ؛ وإن اُريد العلم مع قطع النظر عن اللوازم فالأمر واضح . ولعلّ هذا أظهر .
والثالثة : الصمت فيما ينبغي الصمت عنده ، فإنّ فيه راحة العقل ، وهو علامة الفهم للأشياء ، وفي النطق راحة اللسان كما ورد في الحديث . ۲
وهما متضادّ ان ، ولا شبهة في أنّ ملاحظة العقل وراحته ممّا يقود صاحبه إلى أنواع الخير ودفع الضرر ، ومجرّد ملاحظة راحة اللسان قد يترتّب عليها مفاسد لاتحصى ، فربّ كلمة جلبت حتفاً وضرراً دنيويّاً واُخرويّاً ؛ ولهذا قيل : «لسانُ العاقل وراء قلبه ، وقلبُ الجاهل وراء لسانه» . ۳
1.في «ألف ، ب ، ج » : «فبتكبّر» .
2.ورد في الحديث عن الصادق عليه السلام : «النطق راحة للروح ، والسكوت راحة للعقل» . راجع : الفقيه ، ج ۴ ، ص ۴۰۲ ، ح ۵۸۶۵ ؛ الأمالي ، للصدوق ، ص ۴۴۱ ، المجلس ۶۸ ، ح ۱. وفي وسائل الشيعة ، ج ۱۲ ، ص ۱۸۶ ، ح ۱۶۰۳۷ ، وبحارالأنوار ، ج ۶۸ ، ص ۲۷۶ ، باب السكوت والكلام... ، ح ۶ عن الأمالي .
3.نهج البلاغة ، ص ۴۷۶ ، الحكمة ۴۰. وفيه : «الأحمق» بدل «الجاهل» .