۴.عدَّةٌ من أصحابنا، عن أحمدَ بن محمّد بن خالد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن أبان الأحمر، عن زياد بن أبي رجاء، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال:«ما عَلِمْتم فقولوا، وما لم تَعْلَموا فقولوا : اللّه أعلم ، إنَّ الرجلَ لَيَنْتَزِعُ الآيةَ من القرآن يَخِرُّ فيها أبعدَ ما بين السماء والأرض» .
قوله عليه السلام في حديث زياد : (ما عَلِمْتم فقولوا ، وما لم تَعلَموا فقولوا : اللّه أعلَمُ ، إنّ الرجلَ لَيَنْتَزِعُ الآيةَ من القرآن يحرّفها۱أبعدَ ما بين السماء والأرض۲) .
لاينافي هذا الحديث ما في الحديث الثالث ۳ من قوله عليه السلام : «إذا سُئل الرجل منكم عمّا لا يعلم فليَقُل : لا أدري ، ولا يقل : اللّه أعلم ، فيوقِع في قلب صاحبه شكّاً ،وإذا قال المسؤول : لا أدري ، فلا يتّهمه السائل» . فإنّ هذا مخصوص بغير العالم ، والأوّل بالعالم ، كما في الحديث الذي بعده ۴ ، وهو قوله عليه السلام : «للعالم إذا سئل عن شيء وهو لا يعلمه أن يقول : اللّه أعلم ، وليس لغير العالم أن يقول ذلك» .
وفي قوله عليه السلام في الحديث الأوّل : «ما علمتم فقولوا» إشعارٌ بذلك .
وقوله فيه : «إنّ الرجل لينتزع ..» وفي الحديث الثالث : «إذا سئل الرجل» قرينة على إرادة غير العالم فيهما ؛ فليفهم . فلا منافاة بين هذه الأحاديث .
والفرق بين قول : «اللّه أعلم» من العالم والجاهل من وجهين :
أحدهما : أنّه مشعر بأنّ المسؤول من أهل العلم ؛ فإنّ مثل هذا القول متعارف
من العلماء الذين إذا لم يحصل لهم جزمٌ بمضمون ما يسألون عنه أن يقولوه في جواب السائل ، فإذا صَدَرَ من الجاهل ، شكَّ السائل في أنّ عنده علما ، أو ظَنَّ فيه هذا ، وقد ينجرّ الأمر إلى الشكّ والاعتقاد فيه من السائل وغيره ، بل إلى شكّه أو اعتقاده في نفسه ، فيكون ذلك سبباً لسؤال الناس له وتجريّه على الجواب بمالا يعلم . وهذه المفاسد لا تترتّب على قول العالم : «اللّه أعلم» . وهو ظاهر ممّا تقرّر .
والثاني : أنّ لفظ «أعلم» على قاعدة أفعل التفضيل يقتضي أن يكون للمتكلّم بقوله : «اللّه أعلم» علمٌ ، والجاهل ليس عنده أصل العلم ؛ بخلاف العالم ، فإنّ عنده أصل العلم ، إمّا باعتبار غير ما سئل عنه ، أو باعتبار علمه بهذه المسألة على وجه لا يحصل له الجزم بالإفتاء بها ، وتكون محتاجة إلى مراجعة وتأمّل ونحو ذلك ؛ فما يترتّب هنا أيضاً على قول الجاهل لا يترتّب على قول العالم .
و«يحرّفها» بالحاء المهملة من قبيل قوله تعالى : «يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ» .۵ وفي الصحاح : تحريف الكلم عن مواضعه : تغييره . ۶ وهذا معنى ظاهر .
وما يوجد في بعض النسخ «يخرّفيها» ۷ من خَرَّ ـ بالخاء المعجمة والراء المشدّدة ـ أي يسقط ، فكأنّه من تحريف الكلم عن مواضعه ؛ واللّه أعلم .
وفيه تنبيه على أنّه لا يجوز تفسير القرآن وتأويله بمجرّد الرأي وما تؤدّي ۸ إليه الأفكار القاصرة .
وقد تقدّم ما يتعلّق بهذا المبحث في شرح خطبة الكتاب . و«أبعد» صفة حذف موصوفها ، أي تحريفاً أبعد .
و«ما بين» هكذا رأيته ، وظاهره «ممّا بين» فيحتمل سقوط الميم .
ويمكن توجيه «ما» بوجهين :
أحدهما : أنّ الأبعاد التي بين السماء الدنيا والأرض متفاوتة بسبب ۹ تضاريس الأرض بالجبال والوهاد ، ۱۰ فالمعنى : تحريفاً كأبعد ما بين السماء والأرض من الأبعاد .
والثاني : أن يكون المراد جنس السماء ، فالأبعاد التي بين مطلق السماء والأرض متفاوتة ، فالبعد بين الأرض والسماء الدنيا أقلّ منه بينها وبين السماء الثانية ، وهكذا .
1.في الكافي المطبوع وكثير من نسخه : «يَخِرُّ فيها» من الخرور بمعنى السقوط من العلوّ . وفي بعض نسخ الكافي «يحرّفها» ـ كما في المتن ـ من التحريف . قال الداماد : «فكأنّه تحريف يخترقها» ونسبه الفيض إلى التصحيف ، وصحّحه المازندراني . ونقل المازندراني قرائة «يخترقها» بمعنى قطع الأرض على غير الطريق . انظر : التعليقة ، للداماد ، ص ۹۰ ؛ شرح المازندراني ، ج ۲ ، ص ۱۴۶ ؛ مرآة العقول ، ج ۱ ، ص ۱۳۷ ؛ الوافي ، ج ۱ ، ص ۱۹۱ ، باب النهي عن القول بغير علم ، ح ۱۲۲ ؛ الصحاح ، ج ۲ ، ص ۶۴۳ (خرر) .
2.في حاشية «د» : «والأرض» مضروب عليه في نسخة جدّي رحمه اللّه (منه) .
3.أي الحديث السادس في هذا الباب .
4.أي الحديث الخامس من هذا الباب .
5.النساء (۴) : ۴۶ .
6.الصحاح ، ج ۴ ، ص ۱۳۴۳ (حرف) .
7.في حاشية «د» : رأيتُ بعد ما كتبتُ في نسخة جدّي طاب ثراه «يخرّ» بالخاء المعجمة (منه) .
8.في «ألف ، ج » : «يؤدّي» .
9.في «د» : «بحسب» .
10.الوَهْدُ : المكان المنحفض . لسان العرب ، ج ۳ ، ص ۴۷۱ (وهد) .