287
الدرّ المنظوم من كلام المعصوم

الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
286

۴.عدَّةٌ من أصحابنا، عن أحمدَ بن محمّد بن خالد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن أبان الأحمر، عن زياد بن أبي رجاء، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال:«ما عَلِمْتم فقولوا، وما لم تَعْلَموا فقولوا : اللّه أعلم ، إنَّ الرجلَ لَيَنْتَزِعُ الآيةَ من القرآن يَخِرُّ فيها أبعدَ ما بين السماء والأرض» .

قوله عليه السلام في حديث زياد : (ما عَلِمْتم فقولوا ، وما لم تَعلَموا فقولوا : اللّه أعلَمُ ، إنّ الرجلَ لَيَنْتَزِعُ الآيةَ من القرآن يحرّفها۱أبعدَ ما بين السماء والأرض۲) .
لاينافي هذا الحديث ما في الحديث الثالث ۳ من قوله عليه السلام : «إذا سُئل الرجل منكم عمّا لا يعلم فليَقُل : لا أدري ، ولا يقل : اللّه أعلم ، فيوقِع في قلب صاحبه شكّاً ،وإذا قال المسؤول : لا أدري ، فلا يتّهمه السائل» . فإنّ هذا مخصوص بغير العالم ، والأوّل بالعالم ، كما في الحديث الذي بعده ۴ ، وهو قوله عليه السلام : «للعالم إذا سئل عن شيء وهو لا يعلمه أن يقول : اللّه أعلم ، وليس لغير العالم أن يقول ذلك» .
وفي قوله عليه السلام في الحديث الأوّل : «ما علمتم فقولوا» إشعارٌ بذلك .
وقوله فيه : «إنّ الرجل لينتزع ..» وفي الحديث الثالث : «إذا سئل الرجل» قرينة على إرادة غير العالم فيهما ؛ فليفهم . فلا منافاة بين هذه الأحاديث .
والفرق بين قول : «اللّه أعلم» من العالم والجاهل من وجهين :
أحدهما : أنّه مشعر بأنّ المسؤول من أهل العلم ؛ فإنّ مثل هذا القول متعارف
من العلماء الذين إذا لم يحصل لهم جزمٌ بمضمون ما يسألون عنه أن يقولوه في جواب السائل ، فإذا صَدَرَ من الجاهل ، شكَّ السائل في أنّ عنده علما ، أو ظَنَّ فيه هذا ، وقد ينجرّ الأمر إلى الشكّ والاعتقاد فيه من السائل وغيره ، بل إلى شكّه أو اعتقاده في نفسه ، فيكون ذلك سبباً لسؤال الناس له وتجريّه على الجواب بمالا يعلم . وهذه المفاسد لا تترتّب على قول العالم : «اللّه أعلم» . وهو ظاهر ممّا تقرّر .
والثاني : أنّ لفظ «أعلم» على قاعدة أفعل التفضيل يقتضي أن يكون للمتكلّم بقوله : «اللّه أعلم» علمٌ ، والجاهل ليس عنده أصل العلم ؛ بخلاف العالم ، فإنّ عنده أصل العلم ، إمّا باعتبار غير ما سئل عنه ، أو باعتبار علمه بهذه المسألة على وجه لا يحصل له الجزم بالإفتاء بها ، وتكون محتاجة إلى مراجعة وتأمّل ونحو ذلك ؛ فما يترتّب هنا أيضاً على قول الجاهل لا يترتّب على قول العالم .
و«يحرّفها» بالحاء المهملة من قبيل قوله تعالى : «يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ» .۵ وفي الصحاح : تحريف الكلم عن مواضعه : تغييره . ۶ وهذا معنى ظاهر .
وما يوجد في بعض النسخ «يخرّفيها» ۷ من خَرَّ ـ بالخاء المعجمة والراء المشدّدة ـ أي يسقط ، فكأنّه من تحريف الكلم عن مواضعه ؛ واللّه أعلم .
وفيه تنبيه على أنّه لا يجوز تفسير القرآن وتأويله بمجرّد الرأي وما تؤدّي ۸ إليه الأفكار القاصرة .
وقد تقدّم ما يتعلّق بهذا المبحث في شرح خطبة الكتاب . و«أبعد» صفة حذف موصوفها ، أي تحريفاً أبعد .
و«ما بين» هكذا رأيته ، وظاهره «ممّا بين» فيحتمل سقوط الميم .
ويمكن توجيه «ما» بوجهين :
أحدهما : أنّ الأبعاد التي بين السماء الدنيا والأرض متفاوتة بسبب ۹ تضاريس الأرض بالجبال والوهاد ، ۱۰ فالمعنى : تحريفاً كأبعد ما بين السماء والأرض من الأبعاد .
والثاني : أن يكون المراد جنس السماء ، فالأبعاد التي بين مطلق السماء والأرض متفاوتة ، فالبعد بين الأرض والسماء الدنيا أقلّ منه بينها وبين السماء الثانية ، وهكذا .

1.في الكافي المطبوع وكثير من نسخه : «يَخِرُّ فيها» من الخرور بمعنى السقوط من العلوّ . وفي بعض نسخ الكافي «يحرّفها» ـ كما في المتن ـ من التحريف . قال الداماد : «فكأنّه تحريف يخترقها» ونسبه الفيض إلى التصحيف ، وصحّحه المازندراني . ونقل المازندراني قرائة «يخترقها» بمعنى قطع الأرض على غير الطريق . انظر : التعليقة ، للداماد ، ص ۹۰ ؛ شرح المازندراني ، ج ۲ ، ص ۱۴۶ ؛ مرآة العقول ، ج ۱ ، ص ۱۳۷ ؛ الوافي ، ج ۱ ، ص ۱۹۱ ، باب النهي عن القول بغير علم ، ح ۱۲۲ ؛ الصحاح ، ج ۲ ، ص ۶۴۳ (خرر) .

2.في حاشية «د» : «والأرض» مضروب عليه في نسخة جدّي رحمه اللّه (منه) .

3.أي الحديث السادس في هذا الباب .

4.أي الحديث الخامس من هذا الباب .

5.النساء (۴) : ۴۶ .

6.الصحاح ، ج ۴ ، ص ۱۳۴۳ (حرف) .

7.في حاشية «د» : رأيتُ بعد ما كتبتُ في نسخة جدّي طاب ثراه «يخرّ» بالخاء المعجمة (منه) .

8.في «ألف ، ج » : «يؤدّي» .

9.في «د» : «بحسب» .

10.الوَهْدُ : المكان المنحفض . لسان العرب ، ج ۳ ، ص ۴۷۱ (وهد) .

  • نام منبع :
    الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
    سایر پدیدآورندگان :
    الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    اوّل
تعداد بازدید : 98133
صفحه از 715
پرینت  ارسال به