291
الدرّ المنظوم من كلام المعصوم

باب من عَمِلَ بغير علم

۱.عدَّة من أصحابنا ، عن أحمدَ بن محمّد بن خالد ، عن أبيه ، عن محمّد بن سِنان ، عن طلحة بن زيد ، قال : سمعتُ أبا عبداللّه عليه السلام يقول :«العاملُ على غير بصيرة كالسائر على غير الطريق ، لا يزيده سرعةُ السير إلاّ بُعدا» .

باب من عمل بغير علم

قوله عليه السلام : (العامِلُ على غير بَصيرةٍ كالسائر على غيرِ الطريقِ ، لا يَزيدُه سُرعَةُ السيرِ إلاّ بُعْداً) .
وجهه ـ واللّه أعلم ـ أنّ من كان علمه مبنيّاً على غير بصيرة ، أي علم ، كما لو اعتقد نوعاً يتعلّق بالمعرفة من غير أصل يبنى عليه ، ثمّ رتّب عليه اُموراً كثيرة أعمل فيها فكره ، كان تخيّل فيه تعالى ما يجلّ عنه من القول بالجسميّة والتشبيه ونحوهما ، فكلّ ما بناه على هذا الأصل الفاسد فقد ازداد به بُعداً عن الحقّ وإثماً ، وكمن اتّخذ مقيسا عليه وقاس عليه غيره ، فكلّما فعل شيئاً منه ازداد به بعداً . ومثله العبادة على غير وجهها المتلقّى ، فإنّه كلّما أتعب نفسه بانياً على أصله الفاسد ازداد إثماً وبُعداً ، وقس عليه غيره .
فالمراد بالعمل ـ واللّه أعلم ـ ما يشمل هذا وغيره ، وإن كان العمل قد يستعمل كثيراً فيما هو أخصّ ممّا ذكر ، ولاينافيه التشبيه بالسير على غير الطريق ، ولو حمل على العمل الخاصّ صحّ أيضاً ، لكن هذا أعمّ فائدة ، مع صحّته . والتشبيه بالسائر على غير الطريق إمّا أن يُراد به على جهة مقابلة للطريق الذي يوصل إلى المطلوب على خطّ مستقيم ونحوها ممّا يزيد بالسرعة فيه البعد ، بقرينة قوله عليه السلام : «لا يزيده سرعة السير إلاّ بُعداً» فإنّ مالا يزيد بُعداً ممّا قارب سمت الجهة المطلوبة خارجٌ بهذه القرينة ، فهو في معنى السائر على طريق لا يزيده سرعة السير فيه إلاّ بُعداً عمّا يقصده .
والتعبير بغير الطريق لأنّه لو كان طريقاً فهو غير طريقة الموصِل ، وقد لا يكون طريقاً أصلاً ، فالمناسب التعبير بغير الطريق .
وإمّا باعتبار أنّ من أراد السفر إلى مكان بعده مسافة مثلاً ، وهو يعلم هذا المقدار من البُعد ، فإذا سلك غير الطريق المعهود ، كان كلّما أسرع في قطعه زادَتْ المسافة على غير الطريق ، فهذه إذا ضمّت إلى المعلوم زاد البعد عن المسافة المعلومة الموصلة إلى المطلوب ، فبُعده قبل أن يشرع في سلوك غير الطريق عن المقصود ثمانية فراسخ مثلاً ، وكلّما بَعُدَ عن ابتدائها كانَ زيادة عن البعد المعلوم ، فإنّه لا يتحقّق الوصول إلاّ إذا رجع ۱ إلى ابتداء الطريق المعلوم .
وهذا وجه لطيف، ووجه الشبه في المشبّه به أقوى من حيث الظهور؛واللّه أعلم.

1.في «ج» : «راجع» .


الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
290

۹.عليُّ بن إبراهيمَ ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونسَ ، عن داودَ بن فَرقَدٍ ، عمّن حدَّثه ، عن ابن شُبْرُمَةَ ، قال : ما ذكرتُ حديثا سمعتُهُ عن جعفر بن محمّد عليه السلام إلاّ كاد أن يَتصدَّعَ قلبي ، قال :«حدَّثني أبي ، عن جدّي ، عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله » . قال ابنُ شُبْرُمَةَ : واُقسِمُ باللّه ما كذب أبوه على جدّه ،ولا جدُّه على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، قال : «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : من عمل بالمقاييس فقد هَلكَ وأهْلَكَ ، ومن أفتى الناسَ بغير علم وهو لا يعلم الناسخَ من المنسوخ والمحكمَ من المتشابه فقد هَلَكَ وأهلَكَ» .

قوله صلى الله عليه و آله في حديث ابن شُبْرُمَةَ : (ومَن أفتى الناسَ بغير علمٍ وهو لا يَعلَمُ الناسِخَ من المنسوخِ والمحكمَ من المتشابهِ۱فقد هَلَكَ وأهْلَكَ) .
قد يدلّ بظاهره على جواز العمل بظواهر القرآن ، فإنّ جملة «وهو لا يعلم ...» حاليّة ، والمعنى : مَن أفتى الناس في حال كونه لا يعلم الناسخ من المنسوخ والمحكم من المتشابه فقد هلك وأهلك .
ومفهوم الشرط أو الوصف أنّ من أفتى الناس وهو يعلم ذلك لم يَهلك ولم يُهلك . ولو اعتبرت الظرف وهو قوله عليه السلام : «بغير علم» حالاً ، وعطفت الجملة الحاليّة عليه ، تغيّر المعنى الحاصل من التوجيه الأوّل ؛ فتدبّر . وهذا ونحوه يدلاّن على جواز تقليد المفتي فيما يفتي به مع أهليّته للفتوى دون غيره ، وهلاك مثل هذا ظاهر . وأمّا إهلاكه ، فإن كان المستفتي عالماً بأنّه ليس أهلاً لذلك ، فهو ظاهر أيضاً ، وكذا المقصّر في استعلام حاله على الظاهر . ومن ليس كذلك فالظاهر أنّه لا وجه لهلاكه وإهلاكه يتحقّق فيمن ذكر ، فلاينافيه هذا القسم ؛ واللّه أعلم .

1.في «د» : - «والمحكم من المتشابه» .

  • نام منبع :
    الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
    سایر پدیدآورندگان :
    الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    اوّل
تعداد بازدید : 77772
صفحه از 715
پرینت  ارسال به