293
الدرّ المنظوم من كلام المعصوم

الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
292

۲.محمّد بن يحيى ، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن سِنان ، عن ابن مُسكان، عن حسين الصيقل ، قال :سمعتُ أبا عبداللّه عليه السلام يقول : «لا يَقبلُ اللّه ُ عملاً إلاّ بمعرفة ، ولا معرفةً إلاّ بعمل ، فمن عرف دَلَّتْه المعرفةُ على العمل ، ومن لم يَعْمَلْ فلا معرفةَ له ، ألا إنَّ الإيمانَ بعضُه من بعض» .

قوله عليه السلام في حديث الصيقل : (لا يَقبَلُ اللّه ُ عَمَلاً إلاّ بمعرفةٍ ، ولا معرفةً إلاّ بعملٍ ، فمن عَرَفَ دَلَّتْه المعرفةُ على العملِ ، ومن لم يَعمَلْ فلا معرفةَ له ، ألا إنّ الإيمانَ بعضُه من بعضٍ) .
ذكر المعرفة والإيمان في هذا الحديث يظهر منهما أنّ المراد بالمعرفة معرفةُ اللّه سبحانه وما يتعلّق بالعقائد ، وأنّ قبول العمل موقوفٌ على المعرفة ، كما أنّ المعرفة لا تتمّ إلاّ بالعمل ، فمن عرف اللّه دلّته المعرفة على أنّ اللّه سبحانه يجب العمل بما يأمر به وينهى عنه ، فإنّ المعرفة الحقّة لا تجامع المعصية ، فمن ادّعى معرفة اللّه وعصاه ، فهو مدّع للمعرفة من غير أن يكون عنده حقيقتها ، فمن لم يعمل لا يكون عارفاً ؛ لأنّ الإيمان بعضه مأخوذ من بعض ويرتبط به ؛ فالمعرفة ثمرتها مأخوذة من العمل ، والعمل مأخوذ من المعرفة ؛ إذ هي أصلٌ له وهو ۱ فرعها ، من حيث إنّ العامل لابدّ أن يكون وجه عمله ملحوظاً لماذا ، وإلاّ كانَ عبثاً لا يسمّى عملاً لما يكون لأجله ؛ إذ هو المقصود والمفروض .
ويحتمل أن يُراد بالمعرفة هنا العلم ، كما هو ظاهر موضوع الباب ، ولذكر العمل والدلالة معها ، فالمعنى : أنّ اللّه لا يقبل عملاً إلاّ بمعرفة كيفيّة ذلك العمل ووجهه وما يقتضي صحّته ، فإنّ العمل بغير علم لا ثمرة له ، كما في الحديث السابق من أنّ صاحبه كالسائر على غير الطريق ، فهو ـ وإن أتعب نفسه ـ لا أرضاً قطع إلى ما يريده ولا ظهراً أبقى . وكذلك المعرفة بغير عمل ، فإنّ العالم إذا لم يكن عاملاً لم تحصل ۲ له ثمرة العلم ، فهو في الحقيقة غير عالم ؛ لانتفاء المشروط بانتفاء شرطه . ومن عرف طرق العمل بالعلم كانَتْ تلك المعرفة دالّة له على العمل الصحيح ، فإن عمل بمقتضى الدلالة كانَ عالماً ؛ لإتيانه بما هو شرط العلم ، وإن ترك لم يستحقّ ثمرة المعرفة والعلم .
ولعلّ العدول ـ على هذا الاحتمال ـ عن العلم إلى المعرفة لأنّ المقام مقام معرفة العمل وكيفيّته الحاصلة من العلم ، ولاينافيه دخول المعرفة الخاصّة تحت العلم .
وحينئذٍ فقوله عليه السلام : «ألاّ إنّ الإيمان بعضه من بعض» يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون تمثيلاً للعلم والعمل ، وكونهما كالشيء الواحد بالإيمان ، فكما أنّ الإيمان بعضه من بعض فكذا العلم والعمل .
الثاني : أنّه قد يسمّى نحو العلم والعمل إيماناً ولو مجازاً باعتبار أنّهما أثر التصديق ، وكلّ منهما مرتبط بالآخر ، فبالعلم تعرف ۳ كيفيّة العمل ، وبالعمل تحصل ثمرة العلم .
وعلى الوجه الأوّل ـ وهو حمل المعرفة على معناها المتعارف ـ فعلى تقدير كون العمل جزءاً من الإيمان ، المعنى ظاهرٌ . ويؤيّده ظاهر كثير من الأحاديث ، كالحديث الدالّ على كفر تارك الصلاة من غير تقييد بالاستحلال ونحوه ۴ ، وحديث «لا نعدّ المؤمن مؤمناً» ۵ ، والحديث الآتي من قوله : «فإنّ العلم إذا لم يعمل به لم يزدد صاحبه إلاّ كفراً» ۶ وغيره ممّا يأتي في كتاب الإيمان والكفر ، إن لم تحمل على خلاف ظاهرها .
وعلى تقدير كون العمل ليس جزءاً من الإيمان ـ كما هو المشهور المعمول به ـ فيمكن تنزيله على من ترك العمل بالعلم ولو في فرد مستحلاًّ ، أو على نفي الإيمان . الكامل بحيث لا يؤدّي الترك إلى ترك الإيمان وكذا ما تقدّم من الأحاديث ونحوها يحمل على هذا التقدير على ما يوافق كون العمل ليس جزءاً من أصل الإيمان ؛ واللّه تعالى أعلم .
و«ألا» ـ بفتح الهمزة والتخفيف ـ للتنبيه واستفتاح الكلام ، فكأنّه عليه السلام استفتح كلاماً مستأنفاً لقصد التنبيه للسامع بأنّ ما ذكر أوّلاً يحصل به الإيمان ، وهو جمع الأمرين ؛ ولا تتوهّم أيّها السامع أنّ الإيمان يتمّ بدون الجمع بينهما وأنّ كلاًّ منهما غير مرتبط بالآخر ومأخوذ منه كما تقدّم ؛ واللّه أعلم .

1.«ألف ، ب ، د» : «وهي» .

2.في «ألف» : «لم يحصل» .

3.في «ج ، د» : يعرف» .

4.الكافي ، ج ۲ ، ص ۲۷۸ ، باب الكبائر ، ح ۸ ؛ و ص ۳۸۲ ، باب الكفر ، ح ۹ ؛ الفقيه ، ح ۱ ، ص ۲۰۶ ، ح ۶۱۶ ؛ علل الشرايع ، ص ۵۲۳ ، باب ۳۷ ، ح ۱ ؛ وسايل الشيعة ، ج ۴ ، ص ۴۱ ـ ۴۲ ، ح ۴۴۶۳ و ۴۴۶۵ ؛ وج ۱۵ ، ص ۳۲۱ ، ح ۲۰۶۳۱ .

5.الكافي ، ج ۲ ، ص ۷۱ ، باب الخوف والرجاء ، ح ۱۱ ؛ وص ۲۴۱ ، باب المؤمن وعلاماته وصفاته ، ح ۳۹ ؛ المؤمن ، ص ۳۹ ، باب ما جعل اللّه بين المؤمنين من الإخاء ، ح ۹۰ ؛ الأمالي للصدوق ، ص ۳۲۹ ، المجلس ۵۳ ، ح ۸ ؛ علل الشرايع ، ص ۵۲۳ ، باب ۳۰۰ ، ح ۲ ؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج ۱ ، ص ۲۵۶ ، باب ۲۶ ، ح ۹ ؛ معاني الأخبار ، ص ۱۸۴ ، باب معنى السنّة من الربّ ... ، ح ۱ .

6.سيأتي قريبا في باب استعمال العلم ، ح ۴ .

  • نام منبع :
    الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
    سایر پدیدآورندگان :
    الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    اوّل
تعداد بازدید : 95690
صفحه از 715
پرینت  ارسال به