309
الدرّ المنظوم من كلام المعصوم

۰.تَفَقَّهوا ، ومن الفقه أن لا تَغتَرُّوا ، وإنَّ أنصحَكم لنفسه أطوَعُكم لربّه ، وأغَشَّكم لنفسه أعصاكم لربِّه ، ومن يُطِعِ اللّه َ يأمَنْ ويَسْتَبْشِرْ ، ومن يَعْصِ اللّه َ يَخِبْ ويَنْدَمْ» .

قوله عليه السلام في هذا الحديث : (ومَن يُطِعِ اللّه يأمَنْ ويَستَبْشِرْ ، ومن يَعْصِ اللّه يَخِبْ ويَنْدَمْ) .
تنبيه منه عليه السلام على أنّ كلّ مطيع للّه بما ذكر وغيره يَأمَنُ العذاب ، ويستبشر بالجنّة وحصول الثواب ، وكلّ عاص للّه يكون سعيه باطلاً ، وعلمه وبالاً ، وتركه التعلّم خسارة ، فكان خائباً ممّا يحصل لاُولي العلم ، ونادماً على ما فرط .
ولاينافي العموم عفوه تعالى عن بعض العُصاة ؛ لحصول الخيبة لهم والندم في الجملة .
والتقييد بعدم التوبة معلومٌ بالنسبة إلى الخيبة والندم في الآخرة ، مع احتمال حصول الندم مطلقا ولو في الجملة في الآخرة ، وقد تحصل الخيبة أيضاً ممّا يناله غيره ؛ فتأمّل . ويمكن أن تؤخذ القضيّة طبيعيّة ؛ وفيه تأمّل .
ويحتمل أن يكون قوله عليه السلام : «ومن يطع اللّه ...» راجعاً إلى ما تقدّمه ممّا يتضمّن الطاعة والمعصية ، فإنّه شامل لجميع الطاعات والمعاصي على وجه يمكن إدخالها تحته ، فلا يحتاج إلى فرض ما خرج عنه ؛ واللّه أعلم .


الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
308

۰.فتَكْفُروا ، ولا تُرخِّصوا لأنفسكم فَتُدهِنوا ، ولا تُدهِنوا في الحقّ فتَخْسَروا ، وإنَّ من الحقّ أن

قوله عليه السلام : «ولا ترخّصوا» معطوف على «لا ترتابوا» لا على ما قبله ، و«إنّ من الحقّ ...» معطوف على «لا ترخّصوا» ، و«إنّ أنصحكم ..» معطوفٌ على «إنّ من الحقّ» ، أو الجميع معطوف على المعطوف عليه الأوّل .
و«الريب» في الأصل قلق النفس واضطرابها ، ولعلّ المراد هنا أنّكم لاتسلكوا طريق الشبهات التي توصل إلى الشكّ في أمر الدين والولاية ، بل الزموا طريق الصواب الواضح الذي أمرتم بسلوكه .
«ولا تشكّوا فتكفروا» أمّا الكفر الحقيقي ، كما لو أدّى الشكّ إلى ما يقتضيه ؛ أو الكفر المنافي لكمال الإيمان ، كما هو كثير متعارف ؛ أو الشامل لهما باعتبار ما يصدق عليهما بالتواطؤ والتشكيك ، وصَرْف كلّ إلى ما يناسبه .
والمداهنة : إظهار خلاف ما يضمر والغشّ . ولعلّ المراد هنا : لا ترخّصوا لأنفسكم فيما لا يجوز ، أو فيما ينبغي تركه مطلقاً ، فإنّه قد يؤدّي إلى ما لا يجوز فتغشّوا أنفسكم ، أو مطلقا ، وإن كان يرجع إلى غشّ النفس ، فإنّ من غَشَّ غيره فقد غشّ نفسه ، ولا تستعملوا الغشّ في الحقّ فتخسروا دينكم وآخرتكم .
وعبّر عليه السلام ب «تخسروا» من حيث إنّ الغشّ في الحقّ كالغشّ فيما يعارض به الإنسان ، فإنّه يغشّ سلعته لنفع دنيويّ يترتّب عليه الضرر الاُخرويّ ، وقد يترتّب عليه ضرر وخسارة دنيويّان أيضاً .
والغشّ في الحقّ يقتضي خسارة الدين ، وهي أعظم الخسران ؛ بل هي الخسران ، وقد يخسر معها الدنيا .
وقوله عليه السلام : «وإنّ من الحق أن تفقّهوا» بيانٌ لما هو من أجَلِّ أفراد الحقّ الذي لا ينبغي غشّ النفس فيه ، وهو الفقه الذي هو العلم ، ومن ذلك العلم أن لا تغترّوا ، أي تخدعوا ۱ أنفسكم ويخدعها غيركم بما يؤدّي إلى ترك العمل بالعلم ، فإنّ العمل من العلم من حيث إنّه لا يتمّ ولا تحصل ثمرته إلاّ به .
ولا ينافيه «المؤمن غرٌّ كريمٌ» ۲ فإنّ الظاهر أنّ المراد به أنّه قد يغترّ و يخدع فيما يتعلّق بدنياه ، لا بدينه وآخرته ، وقد تقدّم .
ثمّ نبّه عليه السلام على أنّ النصيحة والغشّ المعبّر عنه بما يتضمّنه الإدهان تتفاوت مراتبه ، فبقدر النصيحة تكون الطاعة ، وبقدر الغشّ تكون المعصية ؛ واللّه أعلم .

1.في «ب» : «لا تخدعوا» .

2.الأمالي ، للطوسي ، ص ۴۶۲ ، المجلس ۱۶ ، ح ۳۶ ؛ جامع الأخبار ، ص ۸۵ ، الفصل الحادي والأربعون ؛ وسايل الشيعة ، ج ۱۲ ، ص ۱۸ ، ح ۱۵۵۲۸ ؛ بحارالأنوار ، ج ۶۴ ، ص ۲۹۸ ، باب علامات المؤمن وصفاته ، ح ۲۳ ؛ مسند أحمد ، ج ۲ ، ص ۳۹۴ ؛ سنن أبي داود ، ج ۲ ، ص ۴۳۵ ، ح ۴۷۹۰ .

  • نام منبع :
    الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
    سایر پدیدآورندگان :
    الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    اوّل
تعداد بازدید : 95817
صفحه از 715
پرینت  ارسال به