۰.وقال عليه السلام : «أوحى اللّه ُ إلى داودَ عليه السلام : لا تجعَلْ بيني وبينك عالما مفتونا بالدنيا ، فيَصُدَّك عن طريق محبّتي ، فإنَّ اُولئك قُطّاعُ طريقِ عبادي المريدين ، إنَّ أدنى ما أنا صانِعٌ بهم أن أنزِعَ حَلاوَةَ مُناجاتي عن قلوبهم» .
قوله عليه السلام : (أوحى اللّه ُ إلى داودَ عليه السلام : لا تَجعَلْ بيني وبينك عالِماً مَفتوناً بالدنيا ، فيَصُدَّك عن طريق محبّتي ، فإنّ اُولئك قُطّاعُ طريقِ عبادي المريدين ، إنّ أدنى ما أنا صانعٌ بهم أن أنْزِعَ حلاوةَ مناجاتي من قلوبهم) .
معناه ـ واللّه أعلم ـ : لا تجعل بين محبّتي أو طاعتي أو رضاي أو القرب منّي ونحوه وما تريده من ذلك عالماً مفتوناً بالدنيا ، فيمنعك ويضلّك عن الطريق الموصل إلى محبّتك إيّاي ، أو محبّتي إيّاك ، أو إليهما باعتبار التلازم ، أو بناء على جواز إرادتهما .
«فإنّ اُولئك» أي العلماء المفتونين بالدنيا .
والإشارة بصيغة الجمع لوقوع «عالماً» في سياق النفي ، ولدفع توهّم إرادة عالم مخصوص .
«قُطّاع طريق عبادي» الذين يُريدون الوصول إلى محبّتي ورضاي ونحوهما ، فإنّ افتتانهم بالدنيا يبعثهم على ارتكاب مالا يتوصّل به إلى هذا المطلب الجليل ، كما هو ظاهر ، فهم قُطّاع هذا الطرق كقطاع غيره من الطرق التي نسلك لغرض من الأغراض .
إنّ أقلّ ما أنا صانع بهم من الجزاء على هذا أن أنزع حلاوة مناجاتي من قلوبهم التي هي من أجلّ المطالب وأسنى المآرب .
ويحتمل أن يكون المعنى : أنّ أقرب ما أنا صانع بهم .
وذكر «أنزع» لرفعها بالكلّيّة بحيث لا يبقى لها أثر .
ونَزْعها إمّا بعدم تداركهم بالعناية والتخلية بينهم وبين افتتانهم بالدنيا بحيث لا يتوجّهون إلى المناجاة ، أو بعدم قبول مناجاتهم وعدم ترتّب الثواب عليها ، أو بمعنى أنّهم يصيرون بحيث لا يدركون هذه الحلاوة ، ومن لم يجد لشيء لذّة ولا أثرا تَرَكَه وأعرض عنه .
ويحتمل أن يكون قطع الطريق بمعنى أنّ الناس إذا رأوهم ـ مع علمهم ـ حريصين على الدنيا متهالكين عليها ، كانَ ذلك سبباً لحرص الناس وتهالكهم عليها ؛ من حيث توهّمهم أنّ العالم لولا أنّ علمه اقتضى حبّ الدنيا ودَلَّه عليه لما حرَص ، فمن يريد الوصول يتوهّم أنّ مثل هذا طريق موصل ، أو يقولون : إذا كان هذا كذلك مع علمه ، فنحن أولى بالحرص ، فيكون ذلك باعثاً على ترك العلم أو العمل به .
ويخدش هذا الوجه التقييد بالمريدين . إلاّ أن يُجاب بأنّهم في الأصل يريدون ذلك ، فمنعهم ما ذكر . وهو كماترى .
وقريب منه احتمال أنّه إذا أحبّ الدنيا كان سلوكه مع الناس بمقتضى طباعهم وميلهم ، والناس عبيد الدنيا واُسارى الشهوات ، واُمور الآخرة شاقّة وقد حُفّت الجنّة بالمكاره ، وحُفّت النار بالشهوات ، فحِرْصُه يبعثه على المساهلة وتسويغ مالا يجوز، فمن يريد الوصول يحول هذا العالم بينه وبين ما يريد أوّلاً، فهو قاطع طريقه.
وخطابه تعالى لداود عليه السلام الظاهر أنّه ـ واللّه أعلم ـ من قبيل : أقول لك ياكنّة لتسمعي ياجارة . ونحوه قوله تعالى : «لَـلـءِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ»۱ وغيره ممّا المقصود بالخطاب به غير المخاطب ؛ واللّه أعلم . وتكرار «بين» في «بيني وبينك» لأجل الضمير ، فلو قيل : «بين زيد وعمر» بالظاهر لم يتكرّر ، كما تقدّم نقله عن الحريري .