325
الدرّ المنظوم من كلام المعصوم

۴.محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سُوَيْدٍ ، عن يحيى الحلبيّ ، عن أبي سعيد المُكاري ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام في قول اللّه عزَّ وجلَّ :« فَكُبْكِبُواْ فِيهَا هُمْ وَ الْغَاوُونَ » قال : «هُمْ قومٌ وصفوا عَدلاً بألسنتهم ثمّ خالَفوه إلى غيره» .

قوله عليه السلام في حديث أبي بصير في قول اللّه عزّ وجلّ : «فَكُبْكِبُواْ فِيهَا هُمْ وَ الْغَاوُونَ»۱ : (هم قومٌ وَصَفوا عَدْلاً بألْسِنَتِهم ثمّ خالَفوه إلى غيره) .
الظاهر أنّه تفسير للغاوين ، فإنّ من وصف شيئاً وعمل بغيره ، فهو ضالّ عن الطريق الذي وصفه .
والعدل إمّا أن يكون المراد به ضدَّ الجور ، فبوصفه ذكر أوصافه الحسنة وما يترتّب عليها من الصلاح والثواب ، وما يترتّب على ضدّه من أضدادهما بالتبعيّة ، وذلك داخل تحت العلم ، فيكون الواصف عالماً .
وإمّا أن يكون المراد من وصف شيئاً عادلاً ، أو طريقا عادلاً ، أي مستقيما جارياً على قانون الشرع ، ثمّ خالفه وعمل بغيره .
وضمّن «خالفوه» معنى عدلوا عنه ونحوه ، فعدّي بـ «إلى» ؛ أو المعنى : خالفوه منتهين إلى غيره .
ويمكن أن يكون وجه التضمين إيهام العدول ثبوته أوّلاً لهم بالفعل ، ثمّ المخالفة بخلاف المخالفة ، فإنّها لا توهم ذلك مع إفادتها معنى العدول .
والتعبير بـ «ثمّ» لما بين الوصف باللسان وعدم العمل به من البعد وبعد صاحبه عن طريق الصواب .
وفي ذكر اللسان إشارة إلى أنّ ذلك لم يكن إلاّ بتحريك اللسان فقط من غير أن يكون ناشئاً عن عمل ونحوه .
و«كبكبوا» مبالغة وزيادة في كبّوا ؛ واللّه أعلم .

باب النوادر

1.الشعراء (۲۶) : ۹۴ .


الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
324

۳.عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ؛ ومحمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن جَميل بن دَرّاج ، قال :سمعتُ أبا عبداللّه عليه السلام يقول : «إذا بلغت النفسُ هاهنا ـ وأشار بيده إلى حلقه ـ لم يَكُنْ للعالم توبةٌ ، ثمَّ قرأ : « إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَـالَةٍ » » .

قوله عليه السلام في حديث جميل : (إذا بَلَغَتِ النفسُ هاهنا ـ وأشار بيده إلى حلقه ـ لم يَكُنْ للعالِم توبةٌ ، ثمّ قرأ : «إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَـالَةٍ » 1 .
مفهوما الوصفِ والشرطِ يدلاّن على شيئين : أحدهما أنّ غير العالم قد تقبل توبته عند بلوغ النفس إلى ما أشار إليه عليه السلام . والثاني : أنّ العالم قد تقبل توبته قبل البلوغ ؛ لوقوع النكرة بعد الإثبات فيهما . ومقتضى الشرط ووقوعُ التوبة نكرةً في سياق النفي أنّ العالم في ذلك الوقت لا تقبل له توبة أصلاً .
وقوله عليه السلام : «إِنَّمَا التَّوْبَةُ ...» يحتمل أوجهاً :
أحدها : أن يكون المراد مجرّد بيان الفرق بين العالم وغيره ، بأنّ التوبة قد تقبل إلى ذلك الوقت بحيث يكون داخلاً من غير العالم باعتبار أنّ عمله السوء عن جهالة ، بخلاف العالم . الثاني : أن يكون جواباً لما لعلّه يقال : أيّ فرق بين العالم وغيره بمقتضى قوله تعالى : « وَ هُوَ الَّذِى يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِى وَ يَعْفُواْ عَنِ السَّيِّـئاتِ » 2 وغيره ، وظاهره عدم الفرق بين العالم وغيره في الانتهاء وغيره ، فذكر عليه السلام الآية للفرق بينهما .
الثالث : أنّ مفهوم الشرط لمّا دلّ على قبول توبة العالم وغيره فيما يقبل توبتهما فيه ، ولكن لا على سبيل الحتم ؛ واللّه تعالى كريم ، والكريم إذا وعد وفى ، فكيف يؤتى بما يدلّ على القبول في الجملة ؟
أجاب عليه السلام بأنّ التوبة التي على اللّه أن يقبلها هي التي صدرت بعد عمل السوء بجهالة ، بخلاف التي صدرت عن علم بالسوء .
وحينئذٍ يحتمل أن يكون المراد ثمّ قرأ هذه الآية الشاملة لقوله تعالى : «ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ » 3 واكتفى الراوي بما ذكر ، فتدبّر ؛ واللّه تعالى أعلم .

1.النساء (۴) : ۱۷ .

2.الشورى (۴۲) : ۲۵ .

3.النساء (۴) : ۱۷ .

  • نام منبع :
    الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
    سایر پدیدآورندگان :
    الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    اوّل
تعداد بازدید : 95729
صفحه از 715
پرینت  ارسال به