۳.عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ؛ ومحمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن جَميل بن دَرّاج ، قال :سمعتُ أبا عبداللّه عليه السلام يقول : «إذا بلغت النفسُ هاهنا ـ وأشار بيده إلى حلقه ـ لم يَكُنْ للعالم توبةٌ ، ثمَّ قرأ : « إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَـالَةٍ » » .
قوله عليه السلام في حديث جميل : (إذا بَلَغَتِ النفسُ هاهنا ـ وأشار بيده إلى حلقه ـ لم يَكُنْ للعالِم توبةٌ ، ثمّ قرأ : «إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَـالَةٍ » 1 .
مفهوما الوصفِ والشرطِ يدلاّن على شيئين : أحدهما أنّ غير العالم قد تقبل توبته عند بلوغ النفس إلى ما أشار إليه عليه السلام . والثاني : أنّ العالم قد تقبل توبته قبل البلوغ ؛ لوقوع النكرة بعد الإثبات فيهما . ومقتضى الشرط ووقوعُ التوبة نكرةً في سياق النفي أنّ العالم في ذلك الوقت لا تقبل له توبة أصلاً .
وقوله عليه السلام : «إِنَّمَا التَّوْبَةُ ...» يحتمل أوجهاً :
أحدها : أن يكون المراد مجرّد بيان الفرق بين العالم وغيره ، بأنّ التوبة قد تقبل إلى ذلك الوقت بحيث يكون داخلاً من غير العالم باعتبار أنّ عمله السوء عن جهالة ، بخلاف العالم . الثاني : أن يكون جواباً لما لعلّه يقال : أيّ فرق بين العالم وغيره بمقتضى قوله تعالى : « وَ هُوَ الَّذِى يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِى وَ يَعْفُواْ عَنِ السَّيِّـئاتِ » 2 وغيره ، وظاهره عدم الفرق بين العالم وغيره في الانتهاء وغيره ، فذكر عليه السلام الآية للفرق بينهما .
الثالث : أنّ مفهوم الشرط لمّا دلّ على قبول توبة العالم وغيره فيما يقبل توبتهما فيه ، ولكن لا على سبيل الحتم ؛ واللّه تعالى كريم ، والكريم إذا وعد وفى ، فكيف يؤتى بما يدلّ على القبول في الجملة ؟
أجاب عليه السلام بأنّ التوبة التي على اللّه أن يقبلها هي التي صدرت بعد عمل السوء بجهالة ، بخلاف التي صدرت عن علم بالسوء .
وحينئذٍ يحتمل أن يكون المراد ثمّ قرأ هذه الآية الشاملة لقوله تعالى : «ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ » 3 واكتفى الراوي بما ذكر ، فتدبّر ؛ واللّه تعالى أعلم .