335
الدرّ المنظوم من كلام المعصوم

الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
334

۵.عليُّ بن إبراهيم ، رَفَعَه إلى أبي عبداللّه عليه السلام ، قال :«طلَبَةُ العلم ثلاثَةٌ فَاعْرِفْهم بأعيانهم وصفاتهم: صنفٌ يَطلبُه للجهل والمراء، وصنفٌ يطلُبُه للاستطالة والخَتْل، وصنفٌ يطلُبُه للفقه والعقل ، فصاحبُ الجهل والمراء موذٍ ، مُمارٍ ، مُتعرِّضٌ للمقال في أندِيَة الرجال

قوله عليه السلام في حديث عليّ بن إبراهيم المرفوع : (طَلَبةُ العلمِ ثلاثةٌ ، فاعْرِفْهُم بأعيانِهِم وصفاتهم : صنفٌ يَطلُبُه للجهل والمراء ، وصنفٌ يَطلُبُه للاستطالة والخَتْلِ ، وصنفٌ يَطلُبُه للفقهِ والعقلِ) الحديث .
في قوله عليه الصلاة والسلام : «فاعرفهم بأعيانهم وصفاتهم» تنبيهٌ وحثٌّ على أنّه ينبغي تمام التفحّص في تمييز هذه الأقسام ، وإلاّ فكثيراً مّا يشتبه على الناس اختلاط الأقسام بعضها ببعض ، فلا ينظر الإنسان إلى مجرّد عين الشخص ، بل يتفحّص عن الصفات المذكورة ، فمن وُجدت فيه عُمل بمقتضاها ، ولا يلتفت إلى ما عليه أكثر الناس من متابعة أهوائهم وميلهم ؛ فترى الكثير منهم تحمله العصبيّة مع من يطّلع منه على ما ينافيها لمجرّد كونه مريداً لذلك الشخص .
وممّا يدلّ على ذلك أنّك ترى شخصين كلّ واحد منهما تلمّذ وانتسب إلى واحد ، وكلٌّ منهما يظهر انحصار ۱ الحقّ فيمن تبعه ، ومثله كثير يشهد به الوجدان والإنصاف ؛ فجمعه عليه السلام بين العين والصفة لفائدة أنّه قد يرى شخص ويظهر منه أو يتخيّل فيه صفة وليست فيه ، وقد يوصف شخص ولا يكون الوصف مطابقاً ، وسببه ما ذكرناه ؛ فينبغى أن تكون ۲ المعرفة بالعين والصفة على الوجه المعتبر ، فباجتماعهما غالباً يظهر الحقّ . وهذه المقامات خطابيّة يظهر المراد منها بنحو هذا التوجيه ؛ واللّه أعلم .
واللام في قوله عليه السلام «للجهل» يحتمل معنيين :
أحدهما : التعليل ، وهو يحتمل ثلاثة أوجه :
أحدها : أن يكون المعنى أنّه يطلب العلم ليجهل على غيره ويماريه ، بمعنى أنّه يفعل به فعل الجاهل ، ويتعدّى عليه بتضمينه معناه من حيث إنّ المتعدّي يستحقّ التسمية بالجاهل . ومنه قوله تعالى واللّه أعلم : « بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ »۳ ، وقول الحماسي :
ألا لا يجهلنّ أحد علينافنجهل فوق جهل الجاهلينا۴
وهذا أمتن الوجوه ۵ ، وله تمام الربط بالمراء . وقد يؤيّده أيضا قوله عليه السلام : «فصاحب الجهل والمراء ...» .
ثانيها : أنّه يطلبه لإظهار جهل غيره ومماراته .
ثالثها : أنّه يطلبه لرفع الجهل عن نفسه فقط ، بحيث يسمّى عالماً ولا يسمّى جاهلاً ؛ ولا يقصد ثمرته .
فالمضاف محذوف للقرينة ، فإنّ طلب العلم لأجل تحصيل الجهل لا يتعلّق به قصد ذي عقل ، ومثله قولك : زيد يجمع المال لأجل الفقر والفخر على الناس . وظاهر أنّ معناه لأجل دفع ۶ الفقر أو مخافته وإرادة الفخر ونحو ذلك .
ومثله شائع ولا يلزم منه تقدير هذا المضاف للمعطوف أيضا ؛ لما قد علمت من تقدير مضافين متغايرين تدلّ عليهما القرينة ، أو يكون العطف بحسب المعنى على المضاف الأوّل المحذوف .
ونحو هذا عطف المراء على الجهل في الوجه الثاني وقد لا يحتاج إليه فيه ؛ فتأمّل .
ويرجحّ الثاني على الثالث تعلّق الجهل والمراء به وبغيره ، لكنّ الثالث أحسن معنى من الثاني .
والوجه الوجيه الأوّل .
المعنى الثاني : أن تكون اللام لام العاقبة ، كما في قوله تعالى : «فَالْتَقَطَهُو ءَالُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَ حَزَنًا »۷ .
والمعنى حينئذٍ أنّ هذا الصنف يطلبه لأجل أن ينفعه في الآخرة وتحصل له ثمرته ، ولكنّه لم يطلبه على وجهه ولم يعمل به كذلك من إخلاص النيّة وغيره من الشروط المعتبرة في العالم العامل ، فكانت عاقبة هذا الطالب وغايته الجهل ، أي استحقاق أن يسمّى جاهلاً لا عالماً ، فإنّ الطالب إذا لم يكن عاملاً لا يحصل من ثمرة هذا العلم إلاّ الجهل ونحوه . ولعدم جمعه الشرائط تكون عاقبته المماراة أيضاً . ويمكن تنزيل رفع الجهل عن نفسه وتجهيل غيره على لام العاقبة أيضاً ؛ فتدبّر .
واللام في قوله عليه السلام : «للاستطالة» للتعليل ، ويحتمل العاقبة بتقريب ما تقدّم .
و«الختل» : الخديعة .
واللام في قوله عليه السلام : «للفقه والعقل» للتعليل فقط ، وهو يؤيّد التعليل في الجميع . ومعنى طلبه للفقه ظاهرٌ .
والعقل مقابل الجهل الموصوف به الأوّل ، وقد تقدّم كثيراً مقابلة العقل بالجهل .
والمعنى هنا ـ واللّه أعلم ـ أنّه يطلبه ليكون فقيهاً وليستعمل عقله فيما ينبغي استعماله فيه ، فإنّ العلم قد يكون باعثاً على ذلك ومحرّكاً له ، كما تقدّم من قول أميرالمؤمنين عليه السلام : «بالعقل استخرج غور الحكمة» ۸ . والفقيه غير العاقل بالمعنى المذكور غير فقيه ، فلا بدّ معه من العقل .
و«الأندية» جمع النديّ ، على فعيل ، وهو مجلس القوم ومتحدَّثهم ؛ أو جمع النادي كذلك ؛ أو مجلس القوم نهاراً ؛ أو المجلس ماداموا مجتمعين فيه .

1.في «ألف» : «انحصاره» .

2.في «د» : «يكون» .

3.النمل (۲۷) : ۵۵ .

4.الشعر منسوب إلى عمرو بن مكثوم : تنزيه الأنبياء ، للسيّد المرتضى ، الأمالي ، للسيّد المرتضى ، ج ۱ ، ص ۴۲ ؛ التبيان ، ج ۱ ، ص ۷۰ ؛ أحكام القرآن ، للجصاص ، ج ۱ ، ص ۳۰ ؛ تفسير القرطبي ، ج ۱ ، ص ۲۰۷ ؛ لسان العرب ، ج ۳ ، ص ۱۷۷ .

5.في «ألف ، ب» : «الأوجه» .

6.في «د» : «رفع» .

7.القصص (۲۸) : ۸ .

8.الكافي ، ج۱ ، ص۲۸ ، كتاب العقل والجهل ، ح۳۴ .

  • نام منبع :
    الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
    سایر پدیدآورندگان :
    الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    اوّل
تعداد بازدید : 100198
صفحه از 715
پرینت  ارسال به