۶.عليُّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمّد بن يحيى، عن طلحة بن زيد، قال:سمعتُ أبا عبداللّه عليه السلام يقول: «إنَّ رُواةَ الكتاب كثيرٌ ، وإنَّ رعاتَه قليلٌ، وكم من مُسْتَنْصِحٍ للحديث
قوله عليه السلام في حديث طلحة بن زيد : (إنّ رواةَ الكتابِ كثيرٌ ، وإنّ رُعاتَه قليلٌ ، وكم من مُستَنصِحٍ للحديث مُستَغِشٌّ للكتاب ، فالعلماء يَحزُنُهم تَركُ الرعايةِ ، والجُهّالُ يَحزُنُهم حِفظُ الروايةِ ، فراعٍ يَرعى حياتَه ، وراعٍ يَرعى هَلَكَتَه ، فعند ذلك اْختَلَفَ الراعيان ، وتَغايَرَ الفريقانِ) .
هذا الحديث لا يخلو من إشكال بحسب الظاهر من حيث معناه وربط بعضه ببعض ، وهذا ما خطر لي في توجيهه واللّه أعلم بمقاصد أوليائه :
قوله عليه السلام : «إنّ رواة الكتاب كثير» معناه ـ واللّه أعلم ـ أنّ الرواة من الناس كثير ، وهم الذين يروون الكتب مع المراعاة وعدمها ، والمراعي قليل بالنسبة إلى غيره ، فالراوي من غير مراعاة كان يروي مثلاً كتاب الكافي من غير أن يصحّحه ويضبطه ويتدبّر أحاديثه ويعمل بها ، وينقلها على وجهها ونحو ذلك ، وهذا ونحوه هم الجُهّال ، فإنّه قد تقدّم ما يدلّ على أنّ مثلهم لا يسمّى عالماً ، بل هم أحقّ باسم الجهل ممّن لا يروي شيئاً ، والمراعي لما ذكر ممّا ينبغي مراعاته قليلٌ ، وهم العلماء .
و«كثير» و«قليل» ممّا يستوي فيه المفرد والجمع ، فلهذا حملا عليه .
و«رعاة» جمع راع كقضاة .
وقوله عليه السلام : «وكم من مستنصح للحديث مستغشّ للكتاب» كلام له مناسبة وربط بالأوّل ، لاربط تفريع ليكون بإلقاء ، بل هو كلام مستقلّ معطوف على ماقبله ليتفرّع على الجميع ما بعده .
و«مستنصح» و«مستغشّ» يمكن أن يكونا مبنيَّيْن للفاعل ، والمعنى حينئذٍ : كَمْ من شخص يريد أن يروي كتاب الكافي مثلاً مع اعتقاده فيه ، فلا يجد له نسخة مضبوطة على الوجه المعتبر ، فيكون ذلك سبباً لتركه روايته إلى أن يجد ما فيه بغيته من نسخة ، ولو كان راويه قد صحّحه على الوجه المعتبر ، لوجد هذا الطالب المستنصح مطلبه سهلاً من غير تعب زائد على ما يحتاج إليه .
ويمكن أن يكونا مبنيَّيْن للمفعول ، والمعنى حينئذٍ أنّ كثيراً من الناس يُراد أخذ الحديث عنه على وجه أنّه مستنصح في ذلك ، فيظهر غشّ كتابه وأنّه غير معتبر ، فيكون ذلك سبباً لترك أخذ الحديث عنه ، فيصير مستغشّاً لغشّ كتابه . فاللام في قوله «للكتاب» للتعليل .
وفي قوله «للحديث» يجوز كونها للتعليل وغيره .
ويمكن أن يكون الأوّل مبنيّاً للمفعول والثاني للفاعل ، والمعنى حينئذٍ كم من شخص يمكن أن يؤخذ الحديث منه على وجه النصيحة ويكون أهلاً لذلك ، ولكنّه لا يجد كتاباً يعتمد عليه ، فيكون في ذلك تعطيله ، وقد يكون كتابه ذهب لوجه من الوجوه ، وغيره من الرواة لم يحصل منهم تصحيح يعتمد عليه أو لم يحضره .
وكون الأوّل مبنيّاً للفاعل والثاني للمفعول يمكن توجيهه بتقريب ما ذكر .