۰.قال :«الوقوفُ عند الشبهة خيرٌ من الاقتحام في الهَلَكَةِ ، .........
قوله عليه السلام في حديث أبي سعيد الزُهري : (الوقوفُ عند الشُّبهَةِ خيرٌ من الاقتحامِ في الهَلَكَةِ ، وتَركُكَ حديثاً لم تَرْوِهِ خيرٌ من رِوايَتِك حديثاً لم تُحصِهِ) .
معناه ـ واللّه أعلم ـ أنّ التوقّف عند ما يشتبه على الإنسان ـ إمّا بعدم حصول العلم أو الظنّ الذي يجوز العمل به ، أو ما يشمل ۱ كلّ مشتبه يترتّب الضرر فيه على الوقوع فيما لا يجوز الوقوع فيه أو يحتمله ـ خيرٌ من الاقتحام في الهلكة .
وقحم في الأمر : رمى بنفسه ۲ فيه فجأة بلا رويّة ، و«اقتحم» نحوه ۳ .
والتفضيل إمّا على أصله المتعارف ، بمعنى أنّ الذي يرمي نفسه فيما من شأنه أن يهلك ، قد يحصل له نادرا الخلاص من الهلاك ، كمن يرمي نفسه من شاهق من شأنه أن يهلك من يقع منه لغرض يمكن تحصيله إن سلم من الهلاك ، فعدم الوقوع خير من الإقدام على الوقوع وفعله ، فإنّ فيه السلامة يقيناً ، والوقوع محتمل للسلامة احتمالاً مرجوحاً ؛ فالخير ثابت في الجملة في الاقتحام باعتبار ما يترتّب عليه من النفع إذا سلم .
وقد يعفو اللّه سبحانه عمّن يقتحم الهلكة فيما لا يجوز ، فالوقوف خيرٌ ممّا يحتمل تحصيله مع السلامة واحتمال العفو ؛ وكما إذا أراد الإنسان مثلاً أن يتناول مالاً مشتبهاً بالحرام ، فإمّا أن يكون في الواقع حراماً أو لا ، فالخير فيه في الجملة باعتبار الاحتمال المذكور ، وقد يوافق راوي الحديث ونحوه الصواب ، فكلّ ممّا ذكر لا يخرج عن الاقتحام فيما هو محلّ لأن يهلك ؛ فيكون التوقّف خيراً منه .
وإمّا أن يكون التفضيل من قبيل ماورد من قوله عليه السلام : «لصوم يوم من شعبان أحبّ إليّ من أن أُفطر يوماً من شهر رمضان» ۴ . فالتفضيل باعتبار أصل الحبِّ من جهة غيره عليه السلام . وقول أميرالمؤمنين عليه السلام : «فأبْدِلْني بهم خيراً منهم ، وأبْدِلهم بي شرّاً منّي» ۵ . فالتفضيل باعتبار اعتقادهم الخير في أنفسهم والشرّقية عليه السلام .
وهنا المقتحم في الهلكة يتصوّر خيراً يترتّب على اقتحامه ، كأن يرى الناس أنّه راوٍ للحديث مثلاً ، أو ليدفع عن نفسه نقص الجهل إذا سئل ؛ فيتخيّل هذا الشرّ خيراً ؛ فخيريّة التوقّف بهذا الاعتبار .
وقريب منه المال المشتبه ونحوه ، فإنّه يعدّ الانتفاع به خيراً .
والتفضيل بالمعنى الأخير أنسب من حيث إنّ من هذا شأنه على المعنى الأوّل من الثلاثة الذين في النار فيما يتضمّن الفتوى ونحوها ، وأمّا بالنسبة إلى نحو المال المشتبه فإنّه ينطبق على المعنى الأوّل إذا لم يكن النهي عنه للتحريم ؛ فتأمّله .
والمعنى الثاني يوافق الجميع ، وإن خالف من حيث أكثريّة المعنى الأوّل في التفضيل ، لكنّه واقع في كلامهم عليهم السلام وغيره ، وإن نوقش في الأمثلة أمكن فرض غيرها ؛ واللّه تعالى أعلم بمقاصد أوليائه .
1.في «ألف» : «يشتمل» .
2.في «د» : «نفسه» .
3.القاموس المحيط ، ج ۴ ، ص ۱۶۱ ؛ تاج العروس ، ج ۹ ، ص ۱۷ (قحم) .
4.الكافي ، ج ۴ ، ص ۸۱ ، باب اليوم الذي يشكّ فيه ... ، ح ۱ ؛ الفقيه ، ج ۲ ، ص ۱۲۶ ، ح ۱۹۲۲ ؛ وص ۱۲۸ ، ح ۱۹۲۹ ؛ تهذيب الأحكام ، ج ۴ ، ص ۱۸۱ ، ح ۵۰۵ ؛ الاستبصار ، ج ۲ ، ص ۷۸ ، ح ۲۳۷ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱۰ ، ص ۲۰ ، ح ۱۲۷۳۰ ؛ وص ۲۳ ، ح ۱۲۷۳۸ ؛ وص ۲۸ ، ح ۱۲۷۵۱ و ۱۲۷۵۲ ؛ وص ۳۰۰ ، ح ۱۳۴۷۰ . وفي جميع المصادر : «لأن أصوم يوما من شعبان» بدل «لصوم يوم من شعبان» .
5.نهج البلاغة ، ص ۶۷ ، الخطبة ۲۵ ؛ الغارات ، ج ۲ ، ص ۳۱۷ ؛ الفصول المختارة ، للمفيد ، ص ۱۶۹ ؛ المسائل العكبريّة (ضمن مجموعة مصنّفات الشيخ المفيد) ج ۶ ، ص ۳۵ ؛ مناقب آل أبي طالب ، لابن شهر آشوب ، ج ۲ ، ص ۲۸۱ ، فصل في إجابة دعواته . وفي بحارالأنوار ، ج ۳۴ ، ص ۱۵۹ ، باب سائر ماجرى من الفتن ... ، ح ۹۷ ؛ و ج ۴۲ ، ص ۲۲۶ ، باب كيفية شهادته و ... ، ح ۳۷ ، عن نهج البلاغة .