353
الدرّ المنظوم من كلام المعصوم

۱۱.عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن القاسم بن محمّد ، عن المِنقريّ ، عن سفيان بن عُيينة ، قال :سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول : «وجدتُ علم الناس كلَّه في أربع : أوّلها : أن تَعرفَ ربَّك ، والثاني : أن تَعرفَ ما صنَع بك ، والثالث : أن تعرف ما أرادَ منك ، والرابع : أن تعرف ما يُخرجك من دينك» .

قوله عليه السلام في حديث سفيان بن عُيَيْنَةَ : (وَجَدْتُ عِلْمَ الناسِ كلَّه في أربعٍ : أوّلها : أن تَعرِفَ ربَّك ، والثاني : أن تَعْرِفَ ما صَنَعَ بك ، والثالث : أن تَعِرْفَ ما أرادَ منك ، والرابع : أن تَعِرْفَ ما يُخْرِجُك من دينِك) .
معناه ـ واللّه أعلم ـ : وجدتُ علم الناس الكاملين الذين يستحقّون التسمية بالناس العلماء ، وغيرهم إمّا خارج عن استحقاق التسمية بالناس ، أو بالناس العلماء .
أو وجدت العلم الذي في الناس وهو الذي ينبغي أن يصدق عليه حقيقة العلم ، وما عداه من العلوم التي سمّوها بهذا الاسم خارجٌ عن العلم .
أو وجدت علم الناس الذي كلّفوا بمعرفته ، فغيره ۱ ليس من علم الناس .
ولا شبهة في أنّهم عليهم السلام معدن الفصاحة والبلاغة وصحّة الكلام .
والمطابق للقاعدة «أربعة» بالتاء ۲ أو الاُولى والثانية إلخ . وما هو واقع في الحديث من هذا القبيل إمّا من حيث النقل بالمعنى مع عدم تمكّن الراوي من طرق هذا الفنّ ، أو من تحريف النسّاخ ، أو من اشتباه في الخطّ على الناسخ ونحو ذلك .
وكون معرفة الربّ تبارك وتعالى أوّل الأربعة ظاهرٌ ، فإنّها مقدّمة شرفاً ورتبةً وغيرهما ممّا لا يخفى ؛ إذ شرف العلم ورتبته بشرف المعلوم ورتبته .
والمراد بمعرفة الربّ ما يجوز أن يعرف به تعالى ممّا عرف من نفسه وعرفه
به أنبياؤه ورسله وأوصياؤهم عليهم السلام ، لا كلّ ما يدّعي أنّ له دخلاً في المعرفة الناشي عن مجرّد إعمال الفكر القاصر ، فإنّ كثيراً من ذلك ممّا يزيل المعرفة ويوقع في الشكوك والشبهات المانعة من المعرفة .
«والثاني : أن تعرف ماصنع بك» من كونه تعالى منحك عقلاً وقوّةً وقدرةً وإرادةً واختياراً وغير ذلك ممّا لا يحصى من إنعامه عليك ، ومننه لديك ، ثمّ أرسل لك رسلاً يدلّونك على ما ينفعك وما يضرّك ممّا لا يدرك جهته العقل باستقلاله ، ونَصَبَ لك بعد الرسل ـ صلّى اللّه عليهم ـ أوصياء يهدونك إلى مثل ما يهدون به ، ولم يكلّفك إلاّ دون ما أعطاك ممّا يقع التكليف به . وهذه مرتبة ثانية بعد المعرفة .
«والثالث : أن تعرف ما أراد منك» من طاعته وعبادته وترك معصيته . ويدخل فيه علم الشرائع والأحكام وما يتعلّق بهما وما يتوقّفان عليه ، ومرتبة هذا بعد مرتبة معرفة الصنع .
ولمّا كانت المعرفة قد تحصل من التعمّق فيها وإعمال الفكر والآراء ، وَصَفَ اللّه سبحانه بما لا يجوز وصفه به ، ونسبة مالا يليق بجنابه المقدّس نسبته إليه ، ونحو ذلك ، كما وقع كثيراً لكثير بحيث يؤدّي إلى التجسيم والتشبيه والوصف بالصورة والتخطيط ونحوه . وذلك سبب الاعتماد على الأفكار القاصرة عن حقيقة معرفته تعالى .
والصنع قد يؤدّي إلى نحو الجبر والقدر المذموم صاحبه ونسبة تأثير العلويات وغيرها في القوى وغيرها لا على وجه خاصّيّة أودعها اللّه فيها يقتضي تأثيراً مخصوصاً ونحو ذلك ممّا لا يجوز اعتقاده .
وكان القسم الثالث ـ وهو معرفة ما أراد منك ـ قد يحصل منه ۳ العُجب والرياء وغيرهما ممّا ينقص أصل الدين أو يزيله . كانت مرتبة هذا القسم بعد مرتبة الأقسام الثلاثة في الترتيب الذكري ؛ فقد جمعت هذه الأربعة جميع العلوم التي يحتاج إليها ؛ واللّه تعالى أعلم .

1.في «ج» : «وغيره» .

2.في حاشية «د» : يمكن توجيهه بالخصال ونحوها ، وقد وقع نحوه ، ونقلته من حاشية شرح اللمعة في غير موضع (منه رحمه اللّه ) .

3.في «ألف ، ب» : + «مثل» .


الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
352

۰.ثمَّ قال أبو عبداللّه عليه السلام : «لا يَسَعُكم فيما ينزل بكم ممّا لا تعلمونَ إلاّ الكَفُّ عنه، والتثبّتُ والرَّدُّ إلى أئمّة الهدى حتّى يَحمِلوكم فيه على القصد ، ويَجْلوا عنكم فيه العمى ، ويُعَرِّفوكم فيه الحقَّ ، قال اللّه تعالى : « فَسْـئلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ » » .

وقوله عليه السلام : «لا يسعكم ...» في معنى الأمر بما هو أعمّ من ذلك ، والمعنى : أنّ كلّ شيء لم يصل إليكم على وجه العلم فكفّوا عنه وتثبّتوا ، وردّوه إلى أئمّة الهدى ، إلخ .ومع حضورهم عليهم السلام تحصيل العلم سهلٌ لمن أمكنه مشاهدتهم وسئوالهم ونحوه ، وإذا أمكن لا يعدل عنه إلى الظنّ ؛ ولعلّ النهي عن اتّباع الظنّ مخصوص بنحو ذلك .
ويحتمل إرادة ما يشمل ۱ الظنّ من العلم باعتبار دخول من لم يتيسّر له تحصيل العلم ؛ واللّه أعلم .
و«الأب» الظاهر أنّ المراد به الباقر عليه السلام ، ويحتمل إرادة أميرالمؤمنين عليه السلام ، فإنّ خطبه مشهورة .
و«القصد» الوسط بين الطرفين ؛ قاله في النهاية ۲ . والمراد به هنا ـ واللّه أعلم ـ الطريق المستقيم غير المائل إلى إحدى الجهتين ، أو الوسط الخالي من الإفراط والتفريط ، وهو الحقّ والصواب اللذان لاميل فيهما ولا عدول عنهما ، وهو صريح كغيره في أنّهم عليهم السلام هم أهل الذكر الذين ينبغي سؤالهم .
وضمير «بلغ» يرجع إلى الذي عرض الخطبة ، ويحتمل رجوعه إلى الإمام عليه السلام بمعنى بلغ سماعه ونحوه ؛ واللّه أعلم .

1.في «ألف ، ب» : «يشتمل» .

2.النهاية ، ج ۴ ، ص ۶۷ (قصد) .

  • نام منبع :
    الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
    سایر پدیدآورندگان :
    الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    اوّل
تعداد بازدید : 97391
صفحه از 715
پرینت  ارسال به