357
الدرّ المنظوم من كلام المعصوم

الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
356

۱۴.الحسين بن الحسن، عن محمّد بن زكريّا الغَلابيّ، عن ابن عائشة البصريّ ، رفعه ، أنَّ أميرَ المؤمنين عليه السلام قال في بعض خُطَبه:«أيّها الناس، اعلَموا أنّه ليس بعاقل من

قوله عليه السلام في بعض خطبه في حديث ابن عائشة البصريّ : (أيّها الناسُ ، اعلَموا أنّه ليس بعاقلٍ من انْزعَجَ من قولِ الزورِ فيه ، ولا بحكيمٍ مَن رَضِيَ بثناء الجاهلِ عليه ؛ الناسُ أبناءُ ما يُحْسِنونَ ، وقَدْرُ كلِّ امْرِىً ما يُحْسِنُ ، فَتَكَلَّموا في العلِم تَبَيَّنْ أقدارُكم) .
معناه ـ واللّه أعلم ـ : ليس ممّن استعمل عقله فيما ينبغي استعماله فيه مَن انزعج من قول الزور فيه ، ومن فعل ذلك كانَ فعله كفعل غير العاقل ؛ فلهذا وصف بكونه ليس بعاقلٍ .
ففي التعبير به دون التعبير بالمجنون تنبيهٌ على أنّ مثل هذا مع هذا الفعل له عقل يقدر على أن يفعل به فعل العقلاء ، بخلاف التعبير بالمجنون ۱ ، فإنّه ليس فيه هذه النكتة ، وإن كان قد يوصف مثله بالمجنون أيضاً ، وقد تقدّم مضمون هذا .
فالعاقل إذا استعمل عقله عَلِمَ أنّ قول الزور لا ضرر عليه فيه في الآخرة ،
بل له بذلك النفع ، وضرر الدنيا إن حصل بقول الزور فهو سهل «فلا شرّ بشرّ بعده الجنّة ، ولا خير بخير بعده النار» ۲ .
وكما يحصل له الثواب يحصل لقائل الزور العقاب ؛ فينبغي أن لا ينزعج ؛ لدلالة العقل إيّاه على الضرر الذي يريد الإنسان إيقاعه بمن كان سبباً للانزعاج ؛ فهذا المزعَج ۳ قد أدخل الضرر على نفسه ، وجلب النفع لمن يريد إزعاجه ، فالذي يعقل لا ينزعج لذلك . نعم لو كان ممّا يقتضي الشرع دفعه عن نفسه ، سعى في دفعه ما أمكن .
ومن كان عاملاً بمقتضى حكمته ـ وهي ما يرجع إلى العلم والعمل ، ووضع الأشياء مواضعها ، وطاعة اللّه ورسله وأوصيائهم ـ لم يرض بثناء الجاهل عليه ، فإنّ الرضا بذلك خلاف ما تقتضيه الحكمة وتدلّ عليه ؛ لأنّ ثناء الجاهل إمّا خطأ أو في حكم الخطأ ، فإن أصاب لا يكون صوابه عن قصد يعتدّ به ؛ فالرضا بثنائه رضا بباطل ، أو بثناء مبطل صادر ثناؤه عن غير محلّه .
وقد يترتّب على الرضا مفاسد كالغرور وفعل منافي الحكمة ، فإنّ الإنسان يحوط ما أحبّ ، والناس إلى أشكالهم أميل ، وحبّ الشيء يُعمي ويصمّ ، وذلك من فعل غير الحكيم .
وهذا بخلاف ثناء العالم أو العاقل ، فإنّه لايثني إلاّ بما يترتّب عليه نفع دنيوي واُخروي ، أمّا الدنيوي فإنّه قد يكون الثناء سبباً للاعتقاد فيه والانتفاع منه واحترامه لذلك وعزّته ونحو ذلك ، وأمّا الاُخروي فلما يترتّب على ما ذكر ونحوه من الثواب . وذلك من مقتضى الحكمة والعمل بها ، وفيها ۴ رضا اللّه وطاعته والتأدّب بآداب الإمام وامتثال أمره وفي ذلك معرفته ؛ فقد ورد من جملة تفسير الحكمة أنّها طاعة اللّه ومعرفة الإمام ۵ .
ويحتمل أن يكون المراد ثناء الجاهل بحاله ، فإنّه إمّا أن يكون مخالفاً لما يثنى به ، ووجهه ظاهر ، أو يتّفق إصابته ، وذلك غير معتدّ به مع عدم العلم بحاله وصدوره عن الجاهل ؛ واللّه أعلم .

1.في «ج» : + «ونحوه» .

2.الكافي ، ج ۸ ، ص ۲۴ ، ضمن خطبة الوسيلة ؛ الفقيه ، ج ۴ ، ص ۳۹۲ ، ضمن ح ۵۸۳ ؛ وص ۴۰۶ ، ضمن ح ۵۸۸۰ ؛ الأمالي ، للصدوق ، ص ۳۲۰ ، المجلس ۵۲ ، ضمن ح ۸ ؛ التوحيد ، ص ۷۲ ، باب التوحيد ونفي التشبيه ، ح ۲۷ ؛ نهج البلاغة ، ص ۵۴۴ ، الحكمة ۳۸۷ .

3.في «ج» : «المنزعج» .

4.في «ألف ، ب» : «فيه» .

5.الكافي ، ج ۱ ، ص ۱۸۵ ، باب معرفة الإمام والردّ إليه ، ح ۱۱ ؛ المحاسن ، ج ۱ ، ص ۱۴۸ ، باب المعرفة من كتاب الصفوة، ح ۶۰ ؛ تفسير العيّاشي ، ج ۱ ، ص ۱۵۱ ، ح ۴۹۶ ؛ تأويل الآيات ، ص ۱۰۳ . وفي بحار الأنوار ، ج ۱ ، ص۲۱۵، باب العلوم التي أمر الناس ... ، ح ۲۲ ؛ ج ۲۴ ، ص ۸۶ ، باب أنّ الحكمة معرفة الإمام ، ح ۲ ، عن المحاسن .

  • نام منبع :
    الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
    سایر پدیدآورندگان :
    الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    اوّل
تعداد بازدید : 97360
صفحه از 715
پرینت  ارسال به