۰.انْزَعَجَ من قول الزور فيه، ولا بحكيم من رضي بثناء الجاهل عليه؛الناس أبناءُ ما يُحسنونَ،
وقوله عليه السلام : «الناس أبناء ما يُحسنون» يحتمل وجهين :
أحدهما : أنّ الفخر لا ينبغي أن يكون بالآباء ، بل بالكمال والفضل ومحاسن الشيم والآداب ، فإنّ الفخر بالهمم العالية لا بالرمم البالية .
قد يسود المرء من غير أبوبحسن السبك قد ينفي الزغل
لا تقل أصلي وفصلي أبداًإنّما أصل الفتى ما قد حصل
فأبو الإنسان ما يحسنه من المحاسن ، بمعنى أنّه ينسب إليها ويفتخر بها كما يفتخر بالآباء بل الفخر بها لا بالآباء .
وفيه إشارة إلى أنّ من لا يكون فعله حسناً ، يكون كمن لا أب له ينتسب ۱ إليه ، وكلّما زادت المحاسن زاد حسن الانتساب .
الثاني : أن يكون المراد به ما يشمل غير الحسن أيضاً ، فالمعنى الناس أبناء ما يأتون به ويصدر عنهم ونحوه ، سواء كان حسناً أم قبيحا ، فصاحب المحاسن حَسَنٌ وإن كان آباؤه غير كرام ، وصاحب القبائح ونحوها غير حَسَنٍ وإن كان آباؤه كراماً . فالإنسان يُنسب إلى ما يصدر عنه ويحتوى عليه ، إن خيراً فخيراً وإن شرّاً فشرّاً ، فصاحب الخير أبوه خيره ، وصاحب الشرّ أبوه شرّه .
فإن قلت : المناسب على هذا الوجه أن يُؤتى بنحو «يفعلون ويأتون» ، فيقال : الناس أبناء ما يأتون ويفعلون ، ونحو ذلك .
قلت : يمكن الجواب بأنّ أصل هذا الفعل وإن كان يدلّ على حُسن الفعل ، إلاّ أنّه قد يستعمل في غير الفعل الحسن في نفسه ، كما تقول : أنا أُحسن قتل زيد شرّ قتلة ، وعقوبته أشدَّ عقوبة إذا كان ذلك قبيحاً ، بمعنى الإتيان بهذا الفعل على أكمل وجوهه ، حتّى أنّه صار شائعاً أن يقول الإنسان لمن يتوعّده بالأذى : أنت تحسن أن تؤذيني ، بمعنى تقدر على ذلك .
ويمكن أن يكون ذكره للحثّ على أن يكون الفعل حسناً أو التفألّ به . والوجهان مفادهما الردّ على من يفتخر بالآباء ، ويتوهّم أنّ ذلك كافٍ في الكمال .