359
الدرّ المنظوم من كلام المعصوم

۰.وقَدْرُ كلِّ امرئ ما يُحسِنُ ، .........

وقوله عليه السلام : «وقدر كلّ امرى ء ما يحسن» نحو ماورد من كلامه عليه السلام : «قيمة كلّ امرئ ما يحسنه» ۱ وهما يفيدان ـ مع تأكيد الأوّل مضمون الكلام السابق ـ فائدةً اُخرى جليلة ، وهي أنّ حسن الهيئة والمنظر والتركيب والصورة قد يكون لكلّها
أو بعضها ۲ دَخْل في زيادة القدر والقيمة والاعتبار بحسب مراتب ما له قدر وقيمة ، فنبّه عليه الصلاة والسلام على أنّ الإنسان ليس من قبيل الضأن مثلاً ليكون سمنه ۳ سبباً لزيادة قدره وقيمته ، والجواهر ليكون صفاء لونها وكبرها وحسن تدوير بعضها أو شكله سبباً لذلك ، بل قيمة الإنسان ـ بمعنى أنّه لو كان ممّا تبذل ۴ فيه القيمة ـ وقدرُه واعتباره ما يحسن ، لا غيره من نحو ما ذكر في غيره ، فإنّ أحسن الخصال الجميلة كانت قيمته على قدر مافيه منها ، وإن خلا من الخصال الحسنة كان كما لا قيمة له ، من نحو القاذورات وكلاب الهراش .
ويمكن هنا أيضاً اعتبار الوجهين السابقين في قوله عليه السلام : «الناس أبناء ما يحسنون» .
أمّا الأوّل فظاهر .
وأمّا الثاني فهو ظاهر أيضاً فيما له قيمة ، وفيما لا قيمة له يكون من قبيل ما لو رأى شخص حجراً يشبه أحد الجواهر مثلاً في نظره ، فتوهّمه من ذلك النوع وأنّه ذو قيمة ، فعرضه على من له خُبرة وتمييز ، وسأله : ما قيمة هذا؟ فقال له : قيمته كقيمة الحجر الملقى الذي لا ينتفع به بوجه .
ويمكن اعتبار وجه آخر ، وهو أن تعتبر القيمة حسنةً وقبيحةً ، فيقال مثلاً : قيمة كذا الذهب وقيمة كذا التراب ، ولمّا كان بين جملة «الناس أبناء ما يحسنون» وجملة «قدر كلّ امرئ ما يحسن» ما يقتضي العطف عَطَفَها عليها ۵ ، بخلاف الجملة الاُولى بالنسبة إلى ما قبلها ، وإن كان لها بما قبلها مناسبة مّا باعتبار قسمي المنزعج وغيره والحكيم وغيره ، بناءً على الوجه الثاني المتقدّم ، أو بالحكيم وغير المنزعج بناءً على الأوّل .
وذلك ظاهر لمن أحاط خبراً بباب الفصل والوصل .

1.الأمالي ، للصدوق ، ص ۴۴۶ ، المجلس ۶۸ ، ح ۹ ؛ الخصال ، ص ۴۲۰ ، ضمن ح ۱۴ ؛ عيون أخبار الرضا صلى الله عليه و آله ، ج ۲ ، ص ۵۳ ، الباب ۳۱ ، ضمن ح ۲۰۴ ؛ خصائص الأئمّة ، للسيّد الرضي ، ص ۹۵ ؛ الإرشاد ، ج ۱ ، ص ۳۰۰ ، فصل : ومن كلامه عليه السلام في الحكمة والموعظة ؛ روضة الواعظين ، ج ۱ ، ص ۱۰۹ ، مجلس في ذكر فضائل أمير المؤمنين عليه السلام . وفي الفقيه ، ج ۴ ، ص ۳۸۸ ، ضمن ح ۵۸۳۲ ، في وصايا عليّ عليه السلام لابنه محمّد بن الحنفيّة هكذا : «قيمة كلّ امرئ ما يحسن الاعتبار» .

2.في «ج» : «لبعضها» .

3.في «د»: «ثمنه».

4.في «ج» : «يبذل» .

5.في «د» : «عليه» .


الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
358

۰.انْزَعَجَ من قول الزور فيه، ولا بحكيم من رضي بثناء الجاهل عليه؛الناس أبناءُ ما يُحسنونَ،

وقوله عليه السلام : «الناس أبناء ما يُحسنون» يحتمل وجهين :
أحدهما : أنّ الفخر لا ينبغي أن يكون بالآباء ، بل بالكمال والفضل ومحاسن الشيم والآداب ، فإنّ الفخر بالهمم العالية لا بالرمم البالية .
قد يسود المرء من غير أبوبحسن السبك قد ينفي الزغل
لا تقل أصلي وفصلي أبداًإنّما أصل الفتى ما قد حصل
فأبو الإنسان ما يحسنه من المحاسن ، بمعنى أنّه ينسب إليها ويفتخر بها كما يفتخر بالآباء بل الفخر بها لا بالآباء .
وفيه إشارة إلى أنّ من لا يكون فعله حسناً ، يكون كمن لا أب له ينتسب ۱ إليه ، وكلّما زادت المحاسن زاد حسن الانتساب .
الثاني : أن يكون المراد به ما يشمل غير الحسن أيضاً ، فالمعنى الناس أبناء ما يأتون به ويصدر عنهم ونحوه ، سواء كان حسناً أم قبيحا ، فصاحب المحاسن حَسَنٌ وإن كان آباؤه غير كرام ، وصاحب القبائح ونحوها غير حَسَنٍ وإن كان آباؤه كراماً . فالإنسان يُنسب إلى ما يصدر عنه ويحتوى عليه ، إن خيراً فخيراً وإن شرّاً فشرّاً ، فصاحب الخير أبوه خيره ، وصاحب الشرّ أبوه شرّه .
فإن قلت : المناسب على هذا الوجه أن يُؤتى بنحو «يفعلون ويأتون» ، فيقال : الناس أبناء ما يأتون ويفعلون ، ونحو ذلك .
قلت : يمكن الجواب بأنّ أصل هذا الفعل وإن كان يدلّ على حُسن الفعل ، إلاّ أنّه قد يستعمل في غير الفعل الحسن في نفسه ، كما تقول : أنا أُحسن قتل زيد شرّ قتلة ، وعقوبته أشدَّ عقوبة إذا كان ذلك قبيحاً ، بمعنى الإتيان بهذا الفعل على أكمل وجوهه ، حتّى أنّه صار شائعاً أن يقول الإنسان لمن يتوعّده بالأذى : أنت تحسن أن تؤذيني ، بمعنى تقدر على ذلك .
ويمكن أن يكون ذكره للحثّ على أن يكون الفعل حسناً أو التفألّ به . والوجهان مفادهما الردّ على من يفتخر بالآباء ، ويتوهّم أنّ ذلك كافٍ في الكمال .

1.في «ج» : «ينسب» .

  • نام منبع :
    الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
    سایر پدیدآورندگان :
    الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    اوّل
تعداد بازدید : 97324
صفحه از 715
پرینت  ارسال به