۰.فتَكَلّموا في العلم تَبَيَّنْ أقدارُكم» .
وقوله عليه السلام : «فتكلّموا في العلم تَبَيَّنْ أقداركم» معناه ـ واللّه أعلم ، على تقدير أن يكون المراد بما يُحسن ما يُحسن من العلم وصفات الكمال ونحوها ممّا يدخل تحت العلم ولو بما يلزم العالم ـ : أنّكم تكلّموا فيه لتظهر محاسنكم عند الناس وقدر مراتبكم ، لا لمجرّد إظهار ذلك ، بل ليظهر للمنتفع وجه الانتفاع منكم بقدر ما يجد من حالكم ، وللجاهل بحالكم ما يرفع عنه ذلك الجهل ونحوه .
وقد يجب على الإنسان إظهار حاله ليقتدى به ويعتمد عليه فيما يحتاج إليه من الأحكام والفتاوى ، وتعلّم الخير والصلاح ووجوه العلم ، فمع عدم الكلام قد لا يحصل ذلك ، وربما يكون آثماً إلاّ من علّة ، فإنّ إظهار ما ينبغي إظهاره منوطٌ برفع المانع كما هو معلوم مقرّر .
ويمكن أن يكون المراد أمرهم بالتكلّم لتظهر أقدارهم عند غيرهم وعند أنفسهم ، فكم من عالم مجهول القدر عند غيره ، وكم من جاهل لنفسه بأن يعتقد مرتبة من العلم ، فإذا تكلّم ظهر له أنّه ليس من أهل تلك المرتبة ، فيتبيّن ۱ له قدره ؛ فيكون ذلك باعثاً على ظهور فساد اعتقاده ورجوعه عنه إلى غيره .
وقد يكون الإنسان غير معتقد مرتبة وهي فيه ، أو هو أعلى منها ، ويمنعه عن اعتقادها كَسْر نفسه وعدم ميله إلى إظهار الفضل ونحوه هرباً من الشهرة ، فينشأ من ذلك شكّ أو شبهة في تلك المرتبة ، فيبقى على ما دونها ، فإذا تكلّم ظهر له ذلك ، وكان باعثاً على جرأته على إظهارها واعتقادها . وكلّ ذلك يترتّب عليه وجود المنافع ودفع المضارّ .
وقد يكون الجهل بسيطاً ، فالتكلّم يكون باعثاً على تعلّم العلم وترك ما هو عليه من الجهل ، وحينئذٍ يمكن أن يكون الأمر لكلّ أحد يمكن في حقّه ذلك بالكلام في العلم ؛ واللّه أعلم . والفاء في قوله عليه السلام : «فتكلّموا» يجوز كونها للاستيناف ، والتفريع ، ومجرّد العطف إن جاز . وربط هذه الوجوه بما يناسبها يظهر بالتأمّل الصادق .
و«تبيّن» أصله تتبيّن ، وهو مجزوم في جواب الأمر .