۰.وأنتم نَصَبْتُم رجلاً وفَرَضْتم طاعتَه ثم لم تُقلّدوه ، فهم أشدُّ منكم تقليدا» .
۳.محمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن حمّاد بن عيسى ، عن رِبْعيّ بن عبداللّه ، عن أبي بصير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام في قول اللّه جلّ وعزّ :« اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَـانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ » فقال : «واللّه ما صاموا لهم ولا صلّوا لهم ، ولكن أحلّوا لهم حراما ، وحرَّموا عليهم حلالاً ، فاتَّبَعوهم» .
وكذلك قوله عليه السلام : «وأنتم نصبتم رجلاً» يحتمل إرادة كلّ واحد من الأئمّة عليهم السلام بالتقريب المذكور . ويحتمل إرادة الأوّل في نصب المرجئة وأميرالمؤمنين عليه السلام في نصب المخاطب وفريقه بمعنى أنّ تلك الفرقة نصبت ، وأنتم أيّتها الفرقة نصبتم وحينئذٍ من جملة تقليد ۱ المرجئة تقليدهم في نصب الثاني وتقليد غيرهم في نصبه على من بعده من الائمة عليهم السلام .
وعلى هذا فقوله عليه السلام : «وأنتم نصبتم رجلاً وفرضتم طاعته ثمّ لم تقلّدوه» إمّا باعتبار المشاكلة لما قبله من قبيل قوله تعالى : « وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللَّهُ »۲ وهو كثير في القرآن وغيره ، فالمشاكلة في النصب ؛ أو أنّ إسناد النصب إليهم باعتبار اعتقادهم إمامته وطاعته ؛ أو باعتبار اعتقاد أنّه منصوب من اللّه ؛ أو بمعنى اعتقادهم أنّه منصوب لهم ؛ ففيه تجوّز .
و«فرضتم» بمعنى أنّكم جعلتم طاعته عليكم فرضاً من اللّه ، والمرجئة لا يقولون بهذا في حقّ من نصبوه ، فإنّهم لا يقولون بأنّ اللّه نصبه كما نصب غيره من الأنبياء ۳ ، ولا يقولون إنّ اللّه فرض طاعته بخصوصه من حيث إنّه منصوب
بخصوصه كفرض طاعة عليّ عليه السلام ، وإن كان عندهم داخلاً تحت اُولي الأمر على أحد أقوالهم ، فطاعته من هذه الجهة ، لا من حيث هذا الشخص ؛ على أنّهم لا يطلقون وجوب الطاعة بل يخصّونه بما لا يخالف المشروع ونحوه ، بخلاف المعصوم ، فإنّ فرض طاعته مطلق ، وغير المشروع لا يتصوّر منه ؛ لعصمته .
وحاصل كلامه عليه السلام : أنّ المرجئة مع نصبهم غير مفترض الطاعة تابعوه وقلّدوه ، وانتصروا له ، وأنتم مع هذا الاعتقاد لم تفعلوا كفعلهم ، بل تركتم أميرالمؤمنين عليه السلام ولم تنصروه كما نصروا منصوبهم ، ولم تقلّدوه كما قلّدوه ، أو تركتم تقليد أئمّتكم ومتابعتهم في كلّ ما يأمرونكم به ويريدونه منكم ، ولم تفعلوا كما فعلت المرجئة في متابعة من نصبوهم ؛ فيكون تقريعاً منه عليه السلام للشيعة بترك التقليد ، مع أنّ التقليد في مثل هذا يجب أن يفعل ؛ فالباب مسوق لذكر مطلق التقليد ، وبيان الممدوح من غيره .
ويقرب من هذا كلام أميرالمؤمنين عليه السلام من كلام له في نهج البلاغة : «وإنّي واللّه لأظنّ ۴ هؤلاء القوم سَيُدالونَ منكم باجتماعِهم على باطلِهم وتَفَرُّقِكم عن حقِّكم ، ومعصيتكم ۵ إمامكم في الحقّ ، وطاعتِهم إمامَهم في الباطل ، وبأدائهم الأمانةَ إلى صاحبهم وخيانتِكم ، وصلاحهم ۶ في بلادهم وفسادكم ، فلو ائتَمَنْتُ أحدَكم على قعْبٍ ۷ لَخَشِيتُ أن يَذهَبَ بعلاقته ، اللهمّ إنّي قد مَلِلْتُهم ومَلُّوني ، وسَئِمْتُهم وسَئِمُوني ، فأبدِلْني بهم خيراً منهم ، وأبدِلْهم بي شرّاً منّي ... » ۸ .
وإن كان محمّد بن عبيدة من غير الإماميّة ، فيحتمل أن يكون من الزيديّة ، ويكون المراد من المرجئة ما تقدّم ، والنصب هنا على ظاهره فيهما ، فإنّ الزيديّة لا يقولون بنصب الإمام من اللّه بنصّ ونحوه ، بل بنصب الرعيّة ، ويوجبون على أنفسهم طاعته وتقليده من حيث إنّه إمام ، وكلّ إمام عندهم واجب الطاعة من حيث إنّه إمام .
فكلامه عليه السلام حينئذٍ يتضمّن تقريع الفريقين وتوبيخهم ، أمّا المرجئة فإنّ تقليدهم مع قولهم بعدم فرض الطاعة وتهالكهم على ذلك وانقيادهم إليه في جميع الاُمور غير معقول ، فإنّ من هذا شأنه ينبغي أن يكون مفترض الطاعة ، منصوباً من اللّه بخصوصه ؛ وأمّا الزيديّة فلكونهم هم نصبوا وهم فرضوا ، والنصب والفرض يكونان من اللّه سبحانه ، مع أنّكم أيّها الزيديّة لم تفعلوا مع من فعلتم به ذلك مثل ما فعلت المرجئة ، فتنصروا أئمّتكم وتقلّدوهم كزيد مثلاً . فكلامه عليه السلام يقتضي ذمّ التقليدين معاً .
والمراد بقوله عليه السلام : «ثمّ لم تقلّدوه» أنّكم لم تقلّدوه التقليدَ الذي قلّده غيركم ، بقرينة قوله عليه السلام : «فهم أشدّ منكم تقليداً» وقوله أوّلاً : «أنتم أشدّ تقليداً أم المرجئة» .
وهذا يتمشّى على التوجيهين ؛ واللّه تعالى أعلم بمقاصد أوليائه .
1.في «د» : «من تقليد جملة» .
2.آل عمران (۳) : ۴۵ .
3.في «ألف ، ب» : + «ونحوهم» .
4.في المصدر : + «أنّ» .
5.في المصدر : «بمعصيتكم» .
6.في المصدر : «بصلاحهم» .
7.«القعب» : القَدَح الضخم . لسان العرب ، ج ۱ ، ص ۶۸۳ (قعب) .
8.نهج البلاغة ، ص ۶۷ ، الخطبة ۲۵ .