421
الدرّ المنظوم من كلام المعصوم

۰.وإن أظلم عليه أمرٌ اكْتَتَمَ به؛لما يعلم من جهل نفسه،لكيلا يقال له: لا يعلم، ثمّ جَسَرَ فقضى،

«وإن أظلم عليه أمرٌ اكتتم به ؛ لما يعلم من جهل نفسه ، لكي لا يقال له : لا يعلم ، ثمّ جسر فقضى» .
من قوله عليه السلام : «لا يحسب» إلى هنا ليس في النهج ، وفيما بعده مغايرة أيضاً .
ولا يخلو ربط قوله عليه السلام : «وإن أظلم» إلى آخره بعضِه ببعض من إشكال بحسب الظاهر من حيث عدم وجود الواو في قوله : «لكي لا» فيحتمل سقوطها من النسّاخ ، وارتكاب حذف العاطف في مثل هذا بعيد .
والذي يخطر بالبال في توجيه العبارة على ما في الكتاب أنّ قوله عليه السلام : «لكي لا يقال : لا يعلم» تعليل لمجموع ما تقدّمه من الشرط والجزاء والعلّة ، فهو من قبيل قولك : إن جاءني سائل أعطيته لفقره ؛ لئّلا يقال : إنّي أردّ السائل الفقير .
والمعنى هنا أنّ هذا الرجل إذا أظلم عليه أمر لم يجد له قياساً ولم يتيسّر له تهيئة الحشو له من رأيه ، تستّر من إظهاره وكتمه ؛ لانكشاف جهله له ، فإنّه في صورة القياس وتهيئة الحشو يتخيّل بذلك أنّه ليس بجاهل ، بل قد يصل إلى مرتبة الجزم بعدم الجهل من حيث اعتياده ذلك ومداومته عليه ، فلا يقطع على نفسه بجهله ، وقد يجزم بذلك من أوّل الأمر لتورّطه فيه وعدم توجّهه إلى غيره ، وإذا لم يجد سبيلاً من هذه السبل المظلمة ، انكشف له جهله ، فلئلاّ يقال : لا يعلم ، اكتتم فيما أظلم عليه ؛ لعلمه بجهل نفسه .
ثمّ بعد ذلك جسر ، أي أقدم واجترأ عليه فقضى به كيف كان ؛ لئّلا ينسب إلى عدم العلم ، وحينئذٍ لم يلاحظ انكشافَ خطئه على الناس وعدمَه ؛ لشدّة تهالكه على ذلك .
ويحتمل أن يكون في العبارة تقديم وتأخير من النسّاخ ، والأصل هكذا : «وإن أظلم عليه أمرٌ اكتتم به ؛ لما يعلم من جهل نفسه ، ثمّ جسر فقضى لكي لا يقال له : لا يعلم» وحينئذٍ تستقيم العبارة لفظاً ومعنى أيضاً ، ولعلّه غير بعيد وقوع مثل هذا ، فإنّ بين ما هنا وما في نهج البلاغة تفاوتاً كثيراً ، اللهمّ إلاّ أن يكون عليه السلام تكلّم به كلَّ مرّة بصورة . ومع صحّة التوجيه الأوّل يُستغنى عن هذا ؛ واللّه أعلم .
فإن قلت : هل يتمّ التوجيه على تقدير أن تكون جملة «اكتتم» صفة لـ «أمر» ، لا جواباً للشرط مع ارتكاب تقدير العاطف؟
قلت : هذا لا يستقيم من حيث عدم تماميّة الكلام ، وبقاء الشرط بلا جواب وعدم مناسبة التعليل بـ «كيلا» وعطفه على التعليل السابق .
نعم يبقى احتمال قد يتمشّى على التقديرين ، وهما كون «اكتتم» جواباً وصفة ، وهو أن يكون قوله : «لما لا يعلم» تعليلاً لـ «أظلم عليه» ، و«لكيلا» تعليلاً لـ «اكتتم به» ؛ فعلى تقدير كون «اكتتم» جواب الشرط يتمّ الكلام .
وعلى تقدير الوصفيّة يحتمل قراءة «ثَمَّ» بالفتح ، بمعنى هنالك ، بناءً على جواز حذف فاء الجزاء في مثله ، والمعنى : إذا أظلم عليه أمر لما يعلم من جهل نفسه اكتتم به ؛ لكيلا يقال له : لا يعلم ، ثمّ جسر فقضى ، أو هناك جسر فقضى .
والتكلّف في هذا ظاهر .


الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
420

۰.لا يدري أصابَ أم أخْطَأ ، لا يَحسَبُ العلمَ في شيء ممّا أنكَرَ ، ولا يَرى أنّ وراء ما بلغ فيه مذهبا ، إن قاس شيئا بشيء لم يُكذِّبْ نظرَه ، .........

«لا يدري أصاب أم أخطأ» أي لا يدري أصاب بقوله الواقعَ أم أخطأه ، بمعنى وافقه أم لا ، وإلاّ فصواب مثل هذا خطأ من حيث الإخبار به وإن وافق الحقّ ، أو أنّه لشدّة جهله وارتكابه للخطأ صار بحيث لا يدري أنّه مصيب أو مخطئ .
«لا يَحسَبُ العلمَ في شيء ممّا أنكر» أي لا يعدّه شيئاً ولا يدخله في الحساب ، بل ينكره كسائر ما أنكره . وأراد علم الاُصولَيْن وغيرهما ، دون الفروع .
وروي «يَحسِبُ» بكسر السين من الحسبان وهو الظنّ ، أي لا يظنّ العلم الذي هو وراء اعتقاده فضيلة يجب اعتقادها ؛ كذا في مختصر الشرح ۱ .
بقي احتمال لا يخلو من بُعد ، وهو أن يكون «يحسب» بمعنى يعلم ، والمعنى أنّه لا يعلم أنّ العلم في شيء ممّا أنكره ، وهذا جهل عظيم منه .
«ولا يرى أنّ وراء ما بلغ فيه مَذهباً» بمعنى لا يظنّ ذلك ، كقوله تعالى : « إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُو بَعِيدًا »۲ ؛ أو لا يعلم . ونفي الظنّ فيهما أبلغ في الجهل .
وضمِّن «بلغ» معنى «ولج» أو «دخل» فاُتي بـ «في» وفائدته إفادة المذكور بالقرينة ودلالة البلوغ على انتهائه إلى أقصاه وتمكّنه من الدخول فيه .
«إن قاس شيئاً بشيء لم يُكذّبْ نظرَه» أي لم يكذّبه وإن ظهر له الخطأ فيما قاسه ، اعتماداً على أصله الفاسد ، ولئّلا يظهر غلطه .

1.اختيار مصباح السالكين ، ص ۱۱۴ .

2.المعارج (۷۰) : ۶ .

  • نام منبع :
    الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
    سایر پدیدآورندگان :
    الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    اوّل
تعداد بازدید : 98315
صفحه از 715
پرینت  ارسال به