۰.يَذري الرواياتِ ذَرْوَ الريح الهَشيم ، .........
«يَذري الروايات ذَرْوَ الريحِ الهَشيم» .
في النهج : «إذراء الريح» وهو مصدر أذرى ، وأمّا «ذرو» كما هاهنا فهو مصدر «ذرا» ، وهو من باب «غزا» لا من باب «رمى» ، فكأنّه هنا من قبيل « وَ اللَّهُ أَمنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا »۱ .
وفي الصحاح : ذَرَتِ الريح الترابَ وغيرَه تَذَروه وتَذْرِيه ، ذَرْوا وذَرْيا ، أي سَفَتْه ۲ . ولم أظفر بجواز الإتيان بمصدر واوي يجوز في فعله الواو والياء ، ويكون الفعل بالياء والمصدر بالواو ليحمل ماهنا عليه ۳ ، ويكون «يَذري» بفتح الياء وإن ثبت أنّ هذا لفظه عليه السلام فهو الحجّة .
وعن شرح ابن ابي الحديد : في بعض نسخ نهج البلاغة : «يذرو الروايات» وأكثر الروايات «يذري» من أذرى ، يقال : طعنه فما ذرأه ، أي فما ألقاه ، وأذريت الحبّ للزرع ، أي ألقيته . وكأنّه يقول : يلقي الروايات كما يلقي الإنسان الشيء على الأرض . والأجود الأصحّ الرواية الاُخرى «يذرو الروايات ذرو الريح الهشيم» وهو مايبس من النبت وتفتّت ؛ انتهى ۴ .
وفي مختصر الشرح : «وإذراؤه للروايات : تصفّحها وقراءتها مع عدم فهمها والانتفاع بها» انتهى ۵ .
ويمكن أن يقال أيضاً : إنّ المعنى أنّه يلقي الروايات ويفرّقها ويشتّتها عن معانيها ، أو يشتّت معانيها عنها ، أو يشتّت بعضها الذي يكون مفسّرا لبعض أو مقيّداً أو مخصّصاً له ونحو ذلك عن بعض ؛ لعدم علمه بما يجب أن يفعل بها بالجمع بينها ونحوه والحكم بما يلزم ذلك ، كما يلقى الحبّ للزرع على وجه يتفرّق بعضه عن بعض .
وحينئذٍ يمكن أن يكون قوله عليه السلام : «ذرو الريح» دون «إذراء الريح» لفائدة تفرّقِ هذا الملقى تفرّقاً زائداً عن تفرّق مثل الحبّ ؛ لأنّ ما تذروه الريح يتفرّق أشدّ تفرّق .
ويحتمل وجهاً آخر وهو أن يكون المراد بالروايات الروايات الكاذبة التي يدّعى أنّها روايات ، فإنّ من هذا شأنه لا يتحرّج من الكذب على اللّه ورسوله . ويقرّب هذا المعنى تشبيههاً بالهشيم ، فكما أنّه ليس ممّا يعتدّ وينتفع به ، كذلك هذه الروايات التي يرويها .
ولفظ «يلقي» و«يذري» قد يشعران بهذا المعنى مع المشبّه به ، كما أنّ الإلقاء مع ذكر الزرع يشعر بحسن ما يترتّب عليه وكونه لفائدة ؛ واللّه تعالى أعلم بمقاصد أوليائه .
1.نوح (۷۱) : ۱۷ .
2.الصحاح ، ج ۶ ، ص ۲۳۴۵ (ذرأ) .
3.في «ج» : «عليه ما هنا» .
4.شرح نهج البلاغة ، ج ۱ ، ص ۲۸۵ .
5.اختيار مصباح السالكين ، ص ۱۱۴ .