429
الدرّ المنظوم من كلام المعصوم

الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
428

۰.مِن ادّعائه علمَ الحقّ» .

۷.الحسين بن محمّد ، عن مُعلّى بن محمّد ، عن الحسن بن عليّ الوشّاء ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي شيبةَ الخراسانيّ ، قال :سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول : «إنّ أصحابَ المقاييس طلبوا العلمَ بالمقاييس ، فلم تَزِدْهم المقاييس من الحقّ إلاّ بُعدا ، وإنَّ دين اللّه لا يُصابُ بالمقاييس» .

«من ادّعائه علم الحقّ» بيانٌ لما فرط منه ، فإنّ دعواه ذلك سابقة على ما يترتّب عليها من المفاسد ، أو على الحال التي هو فيها ، أو بمعنى يناسب ما تقدّم ؛ واللّه تعالى أعلم بمقاصد أوليائه .
قوله عليه السلام في حديث أبي شيبة الخراساني : (إنّ أصحابَ المقاييسِ طلبوا العلمَ بالمقاييس ، فلم تَزِدْهم المقاييس من الحقّ إلاّ بُعداً ، وإنّ دينَ اللّه ِ لا يُصابُ بالمقاييس) .
المقاييس جمع مقياس ۱ ، وهو في الأصل المقدار الذي يستعلم به الشيء ، ثمّ استعمل في مطلق ما يستعلم به الشيء ۲ . والمراد هنا ما يستعلم به شيء خاصّ ،
وفي الحقيقة ما يستجهل به زيادة عن أصل الجهل به . ولمّا كان الجاهل بالشيء بعيداً عن العلم به ، فالذي يريد معرفة المجهول الشرعي بالقياس يكون سلوكه لهذا الطريق إلى العلم سلوكاً لغير الطريق الموصل إليه ، فيزداد بعداً عن الحقّ ، كمن سلك طريقاً يريد به التوصّل إلى مكان بعيد عنه ، ولم يكن ماسلكه طريقاً يوصل إليه ، وكمن يريد تحصيل شيء فربما تصوّره في الجملة ، ولكن رتّب له مقدّمات كاذبة لا تنتج شيئاً من الذي تصورّه ، فيصير بعد ذلك أبعد ، بخلاف ما إذا أراد الحقّ بدليل ، فحينئذٍ يكون وصوله إليه كوصول من صحب دليلاً عارفاً بالطريق والمكان الذي يريده ، وكذا من رتّب المقدّمات الصادقة المنتجة لما تصوّره .
فإن قلت : يمكن أن يوافق قياسه الحقّ ، كما يمكن وصول قاطع مسافة إلى مكان يريده ويتّفق له ذلك من غير قصد ومعرفة بالطريق ؛ فالبعد في هذا كيف يتصوّر ، فضلاً عن ازدياده؟
قلت : أمّا ما نحن فيه من معنى الحديث فإنّ الإنسان قبل أن يعرف وجه الحقّ في مسألة مثلاً فهو بعيد عنه من هذه الجهة ، فإذا قاس ووصل إليه في نفس الأمر وهو لا يدري أنّه الحقّ في نفس الأمر ، ولكن اعتقاده أنّه عرفه حقّاً من جهة القياس الذي لا يجوز أن يعرف الحقّ به حقّاً ، ولا يكون دليلاً على الحقّيّة ، فهو من هذه الحيثيّة أبعد عن الحقّ من الجاهل وإن وافق الواقع .
ويؤيّده ما في حديث عمر بن حنظلة الآتي من قوله عليه السلام : «وما يحكم له فإنّما يأخذ سُحتاً وإن كان حقّاً ثابتاً له ؛ لأنّه أخذه بحكم الطاغوت» الحديث ۳ . ولهذا كان مَن هذا شأنه أحدَ الثلاثة الذين في النار ، ولم يكن الجاهل بمثل ۴ هذا مطلقاً من أهل النار ، بل قد يكون من أهل الجنّة إذا لم يمكنه تحصيل الحقّ بوجه ، ولم يجترئ على دعوى الحقّ والقول به مع عدم مناف آخر ، فهذا الذي وصل إلى الحقّ في الواقع ولا يعلمه حقّاً في الواقع من حيث عدم علمه بالطريق التي يجب عليه العلم بها أبعد منه في حالة جهله قبل أن يقيس .
وبُعده الزائد عن الحقّ بمعنى بُعده عمّا يترتّب له على معرفة الحقّ من الثواب ويلزمه ما يترتّب من العقاب ، على أنّ الأبعديّة يمكن تحقّقها باعتبار ماعدا هذا الشقّ وإن انضمّ إليه ، فإنّ ما عداه صورة كثيرة .
وفي هذا تأمّل .
وقد يقال : إنّ صاحِب القياس لا يصيب الحقّ بالقياس أبداً ، كما نطق به قوله عليه السلام : «إنّ دين اللّه لا يُصاب بالمقاييس» على وجه التأكيد ، فلا يحتاج إلى ما ذكر من التوجيه ، فيكون ذكره جواباً لما لعلّه يقال أو يحتمل .
وقد يفرق بين الإصابة والموافقة ، فما اتّفق لصاحب القياس لا يكون إصابة ؛ ولهذا نفى عليه السلام الإصابة به ، والكلام فيما اتّفق له يرجع إلى ما تقدّم وسالك الطريق إلى مكان ليس المراد به التشبيه من جميع الجهات ؛ على أنّه يمكن أن يوجّه بما يقرب من هذا ، وقد تقدّم الكلام في مثله .
وتكرار لفظ «المقاييس» والعدول عن الإضمار لنحو ما تقدّم عن قريب ؛ واللّه أعلم .

1.في حاشية «ألف ، د» : «إن سمع كون مقاييس جمعا لقياس أيضا ، كان هنا جمعا له (منه) » .

2.انظر الصحاح، ج۳، ص۹۶۷؛ القاموس المحيط، ج۲،ص۲۴۴؛ لسان العرب ، ج۶،ص۱۸۶ (قاس).

3.الكافي ، ج ۱ ، ص ۶۷ ، باب اختلاف الحديث ، ح ۱۰ .

4.في «ج» : «مثل» .

  • نام منبع :
    الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
    سایر پدیدآورندگان :
    الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    اوّل
تعداد بازدید : 97720
صفحه از 715
پرینت  ارسال به