435
الدرّ المنظوم من كلام المعصوم

الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
434

۰.«لَعَنَ اللّه ُ أبا حنيفَةَ ، كان يقول : قال عليٌّ ، وقلتُ» . قال محمّد بن حكيم لهشام بن الحكم : واللّه ِ ما أردتُ إلاّ أن يُرَخِّصَ لي في القياس .

۱۰.محمّد بن أبي عبداللّه ، رَفَعَه ، عن يونس بن عبدالرّحمن ، قال :قلت لأبي الحسن الأوّل عليه السلام : بما اُوَحِّدُ اللّه َ؟ فقال : «يا يونس ، لا تكونَنّ مُبتدِعا ، مَن نَظَرَ برأيه هَلَكَ ، ومن تَرَكَ أهلَ بيت نبيّه صلى الله عليه و آله ضَلَّ ، ومن تَرَكَ كتابَ اللّه ِ وقولِ نبيّه كَفَرَ» .

وقوله عليه السلام : «لعن اللّه أبا حنيفة ، كان يقول : قال عليّ وقلتُ» يعني أنّه كان يقول قولاً يخالف قول عليّ عليه السلام ، وما يخالفه لا يكون إلاّ من باب الرأي والقياس والاستحسان ونحوه ، وهو قرينة على أنّه عليه السلام رَدّ كلام السائل الدالّ على جميع ما ذكر أوّلاً ، لا القياس وحده . ويمكن أن يكون الردّ لكلّ ما دلّ عليه كلامه ، وإن لم يكن مراده إلاّ القياس والسؤال عنه بمقتضى ظاهر قوله : «واللّه ما أردتُ إلاّ أن يُرخّص لي في القياس» .
والحديث ظاهر في تعلّقه بالنهي عن القياس أو ونحوه ممّا لا يقول به الإماميّة .
والمتكلّم ب «قال محمّد بن حكيم» يحتمل أن يكون ابنَ أبي عمير الراويَ عنه ، وهو الظاهر . واحتمال أن يكون من المصنّف رحمه اللّه بعيدٌ ممكنٌ ، واحتمال أن يكون من قول محمّد بن حكيم أبعد ، والإتيان بـ «ذلك» في قوله عليه السلام : «في ذلك» لبعد المشار إليه عن الحقّ وإرادة البعد عنه ؛ واللّه أعلم .
قوله عليه السلام بعد قول يونس بن عبدالرحمن له : بما أُوَحِّدُ اللّه َ؟ : (يايونسُ ، لا تَكونَنَّ مُبتَدِعاً ، مَن نظَر برأيه هلَك ، ومَن ترك أهلَ بيتِ نبيّه صلى الله عليه و آله ضَلَّ ، ومَن ترَك كتابَ اللّه ِ وقولَ نبيّه كَفَرَ) .
«ما» الاستفهاميّة إذا دخل عليها حرف الجرّ تحذف ألفها للفرق بين الاستفهام والخبر ، وقد تثبّت نادراً ، كقراءة عكرمة وعيسى : «عمّا يتساءلون» ۱ وضرورةً كقوله : «على ما قام يشتمني لئيم» ۲ .
وقيل : في قوله تعالى : « بِمَا غَفَرَ لِى رَبِّى »۳ أنّها استفهاميّة .
وممّن جوّزه الزمخشري ، وعن جماعة منهم الفخر الرازي أنّها للاستفهام التعجّبي في قوله تعالى « فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ »۴ حكى هذا كلّه في المغني ۵ .
وإثبات ألفها في الحديث كثير ، ولكن لا يحضرني وقوعها في كلام الإمام عليه السلام ، فإن ثبت فهو حجّة على من أنكره ، وإن لم يثبت وكان في كلامه المنسوب إليه لا على وجه التحقيق فيمكن أن يكون من تحريف النسّاخ ، أو نقلاً بالمعنى ، أو غفلة من الراوي ؛ والأمر سهل على كلّ حال بعد وقوعه وثبوته .
ومعنى الحديث ـ واللّه أعلم ـ أنّ يونس لمّا سأل الإمام عليه السلام : «بأيّ شيء يوحَّد اللّه ؟» أجابه بما يدلّه على التوحيد وغيره ممّا يجب على المكلّف ، فقوله عليه السلام : «لا تكوننّ مبتدعاً» معناه : لا تكوننّ من أهل البدع الذين يتّبعون آراءهم وأهواءهم في التوحيد وغيره ، وكلّ شيء لم يكن من طريق السنّة فهو بدعة ، سواء كان توحيداً أم غيره .
ثمّ ذكر عليه السلام ما حاصله أنّ أهل البدع لا يخرجون عن هذه الأقسام :
الأوّل: من نظر برأيه، وكان المراد به من أراد معرفة اللّه برأيه بقرينة لفظ «نظر» وكونه جواباً عن التوحيد . ويحتمل عمومه لما يشمل النظر في معرفة اللّه وغيره .
والثاني : قوله عليه السلام : «ومن ترك أهل بيت نبيّه» ، وكان المراد به من ترك الاقتداء بهم فيما سألت عنه من التوحيد وغيره ، فهو ضالّ عن طريق الهدى ، فإنّ أخذ التوحيد بمجرّد النظر مهلكٌ ، وكذا غيره . وفيه دلالة على أنّ كلّ مخالف لهم عليهم السلام في الاُصول والفروع ضالّ ، وأنّه لا يسمّى كافراً بحسب الظاهر ، أو لا تجري عليه أحكام الكفّار في الدنيا ، وإن كان من أهل الضلالة والعذاب في الدنيا والآخرة ، إلاّ أن تؤدّي مخالفته لهم إلى الكفر .
والثالث : من ترك كتاب اللّه وقول نبيّه . وهذا القسم من الابتداع كفرٌ .
وظاهر الترك أنّه ترك العمل بهما واتّبع غيرهما من رأيه ونحوه إمّا غير معتقد لهما ، أو متهاوناً بهما ، فإن ترك الإنسان شيئاً يجب عليه التمسّك به ۶ وأنّه من ضروريّات دينه ، واتّباع غيره لا يخرج عن القسمين ؛ وكلاهما كفرٌ ، أمّا مع اعتقاده ما يخالفهما فظاهرٌ ، وأمّا مع التهاون والاعتناء بالغير المخالف فيؤول إلى هذا .
ولا يدخل الجاهل ؛ لإخراجه بلفظ «الترك» وإن كان قد يدخل في غير هذا الحكم .
ولو حمل على ما يتعدّى القسمين ونحوهما يكون المراد بالكفر ماهو أعمّ من الكفر الخاصّ ، كما وقع كثيراً وَصْف من فعل شيئاً لا يوجب الكفر الخاصّ بالكفر .
ويحتمل أن يكون الجواب جميعه متعلّقاً بالتوحيد ، وما يتبعه من الاُصول الدينيّة أو الفروع مستفادة من آخر الحديث ، فالمعنى حينئذٍ : من نظر برأيه في توحيد اللّه وصفاته وما يتعلّق بذلك هَلَكَ ، ومن ترك أهل بيت نبيّه ، أي ترك اعتقاد إمامتهم ـ وإن كان موحّداً بما لا يخرج به إلى الابتداع والرأي ـ فهو حينئذٍ ضالّ ، ومن ترك الكتاب وقول النبيّ المتعلّقين بالاُصول فهو كافر خاصّ ، أو بالاُصول والفروع فهو كافر عامّ ، أو الفروع فهو عامّ خاصّ . بقي احتمال آخر ، وهو أن يكون المعنى : من نظر برأيه هلك ، وإن كان معتقداً في أهل بيت النبي وأنّهم أئمّة ، وإن كان معتقداً لما في الكتاب ولقول النبيّ صلى الله عليه و آله ، ومن ترك اعتقاد إمامة أهل بيت النبيّ فهو ضالّ وإن اعتقد الكتاب وقول النبيّ ، ومن ترك الكتاب وقول النبيّ ـ بمعنى عدم اعتقادهما ـ فهو كافر .
ويمكن حمل الكلام على إطلاقه في الجميع ، ومضمون الجميع ذمّ العمل بالرأي وترك الاعتماد على ما ذكر ؛ لأنّه يؤدّي إلى هذه الأشياء ؛ واللّه تعالى أعلم .

1.النبأ (۷۸) : ۱ .

2.مجمع البيان ، ج ۱ ، ص ۲۳۸ ؛ تفسير القرطبي ، ج ۱۳ ، ص ۲۰۰ ، مغني اللبيب ، ج ۱ ، ص ۲۹۹ .

3.يس (۳۶) : ۲۷ .

4.آل عمران (۳) : ۱۵۹ .

5.مغني اللبيب ، ج ۱ ، ص ۳۰۰ .

6.في «ج» : : - «به» .

  • نام منبع :
    الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
    سایر پدیدآورندگان :
    الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    اوّل
تعداد بازدید : 97580
صفحه از 715
پرینت  ارسال به