443
الدرّ المنظوم من كلام المعصوم

الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
442

۰.ألا تَرى أنّ المرأة تَقْضِي صومَها ولا تَقضي صلاتَها ؛ يا أبانُ ، إنّ السُنَّةَ إذا قيسَتْ مُحِقَ الدينُ» .

۱۶.عدّة من أصحابنا ، عن أحمدَ بن محمّد ، عن عثمان بن عيسى ، قال :سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن القياس ، فقال : «ما لكم والقياسَ ، إنّ اللّه لا يُسألُ كيف أحَلَّ وكيف حَرَّم» .

وقوله عليه السلام : «ألا ترى أنّ المرأة تقضي صومها ولا تقضي صلاتها» تنبيهٌ للسامع وغيره واستدلالٌ به على بطلان القياس ونقضه بأنّه لو كان حقّاً وعَلِمْنا حكم الشارع بقضاء الصوم دون أن نعلم حكم قضاء الصلاة أو بالعكس ، كان مقتضى القياس الحكمَ بقضائهما معاً ، ولو لم نعلم حكمهما معاً ، كان مقتضى القياس قضاءهما معاً ، قياساً على قضاء مافات المكلّف إن وجب القضاء بأمر جديد ، أو عدم قضائهما معاً إن كان فرعَ الأداء ، فحكمه تعالى بقضاء الصوم دون الصلاة دليلٌ على بطلان القياس . ولو أردتَ ترتيبه قياساً وجدتَه واضحَ المقدّمات واللزوم والنتيجة .
ومنصوص العلّة ، مستثنى بالنصّ على العلّة ، وقياس الأولويّة لا يخلو على هذا التوجيه من إشكال .
وقد يدفع بالتأمّل ؛ واللّه أعلم .
وقوله عليه السلام : «إنّ السنّة إذا قيست محق الدين» وجهه ظاهر بعد ما تقرّر ، وهو استدلال لنفي القياس بمحق الدين ، وتعليلٌ له على وجه التأكيد .
قوله عليه السلام في حديث عثمان بن عيسى : (مالكم والقياسَ ، إنّ اللّه لا يُسألُ كيف أحَلَّ وكيف حَرَّمَ) .

تركيب هذه العبارة يحتمل وجهين :

أحدهما : أنّ اللّه سبحانه لا يسأل هو ، أي ليس ممّن يُسأل عن وجه تحريمه وتحليله كيف هو؟ ولأيّ شيء هو ؟ والسؤال من غير أنبيائه ورسله ومن يمكنهم
سؤاله تعالى لا عبرة به ومحال أن يجابوا عنه ، والأنبياء ونحوهم لا يقع منهم السؤال ؛ لعلمهم بكونه تعالى لا يُسأل عمّا يفعل ، ولأنّ السؤال عن الفعل متضمّن لمعنى التعرّض أو الإنكار ونحوه ممّا يقتضيه السؤال في مثل هذا المقام ، كما في قوله تعالى : « لاَ يُسْـئلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَ هُمْ يُسْـالُونَ »۱ . وقولُ الملائكة « أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَ يَسْفِكُ الدِّمَآءَ »۲ يمكن تأويله ، وقد يقع السؤال من الأنبياء ونحوهم عن بعض وجوه حكمته تعالى ، لا على الوجه المذكور ، بل السؤال العلم به ، ويمكن أن لا يقع ذلك منهم إلاّ بإذن منه تعالى ؛ وهذا خارج عمّا نحن فيه .
الثاني : أنّه لا يسأل أحد عن وجه تحليله وتحريمه بحيث يترتّب على هذا السؤال جواب من المسؤول ؛ لأنّ المسؤول إمّا جاهل ، فلا عبرة بجوابه ، وإمّا عالم ، فلا يجيب بمثله ؛ لأنّه يعلم أنّ الحكيم لا يفعل إلاّ الأشياء المحكمة المتقنة على وجه المصلحة ولا يعلم وجوه حكمته تعالى ، وإن أجاب كان غير عالم .
ويمكن أن لا يعتبر معنى الاعتراض ونحوه من السائل ، ويكون المعنى : أنّ اللّه سبحانه ليس ممّن يسأل هو أو غيره : لأيّ شيء حلّلت هذا وحرّمت هذا ؟ أو لأيّ شيء حُلّل هذا وحرّم هذا؟ على وجه طلب معرفته واستفادته ؛ لأنّ حكمته تعالى أمر عظيم لا تسعه عقول البشر ، فلا يترتّب على السؤال فائدة للسائل ، بخلاف غيره تعالى ؛ فإنّه يمكن السؤال منه ومن غيره بحيث إذا أجاب يكون جوابه متضمّناً لما تدركه العقول إمّا بقبول أو ردّ .
والتعبير بـ «كيف أحلّ» دون «كيف أحللت» قد يؤيّد الوجه الثاني ، ولكنّه لاينافي بعدُ التأويلَ الأوّل .
ووجه الاستدلال بذلك على بطلان القياس أنّه إذا كان تعالى لا يُسأل كيف أحلّ وكيف حرّم ـ بأيّ معنى اعتبر ـ كان كلّ ما يفعله بمقتضى حكمته تعالى ، ووجوه حكمته لا تدركها العقول ، لتحكم بتماثل ما يظهر لها اتّفاقُه فتقيس بعضه على بعض ، ولا باختلافه ، فلا تعمل فيها القياس .
ولا يمكن معرفتها من سؤاله فيتخيّل فيها إجراء القياس ولا تقدر على إنكار ما فعل ، فلا يعترض عليه تعالى بالسؤال بكيف حلّلت هذا وحرّمت هذا؟ لإرادة إظهار وجههما ، ولا يُسال بوجه آخر ممّا تقدّم .
وهذا بخلاف غيره تعالى ، فإنّ العقول غالباً ما يتّفق على وجه صحّة فعله وفساده ، والفرض أنّ الفاعل من العقلاء ، فإذا كان ممّن يُسأل عن فعله : لِمَ فعلت هذا ، ولم فعلت هذا؟ أمكن القياس في فعله ؛ لأنّه إذا صدر منه فعلٌ وكان عاقلاً وعرف وجهه بقوله الموافق للعقل أو بالعقل ، أمكن قياس فعل آخر صدر منه عليه ، فمفهوم كلامه عليه السلام يدلّ على أنّ من يُسأل : كيف أحلّ وكيف حرّم؟ يمكن أن تقاس أفعاله بعضُها على بعض ؛ لأنّه يُسأل : كيف فعل هذا وكيف فعل هذا؟ ومنطوقه أنّه تعالى لا يجرَى القياس في أحكامه ؛ لأنّه لا يُسأل : كيف أحلّ وكيف حرّم ؟ .
والحاصل : أنّ من يُسأل عن علّة التحريم والتحليل ، يمكن إجراء القياس في أفعاله ، واللّه تعالى لا يُسأل عن علّة ذلك ، ولا تعلم العلّة بالعقل ، فلا يجرى القياس في أفعاله ؛ لأنّ القياس ممكن مع معرفة العلّة والوجه ، لا مع جهلهما ؛ واللّه تعالى أعلم .

1.الأنبياء (۲۱) : ۲۳ .

2.البقرة (۲) : ۳۰ .

  • نام منبع :
    الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
    سایر پدیدآورندگان :
    الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    اوّل
تعداد بازدید : 97502
صفحه از 715
پرینت  ارسال به