455
الدرّ المنظوم من كلام المعصوم

باب الرّد إلى الكتاب والسُنّة وأنّه ليس شيء من الحلال والحرام وجميع ما يحتاج الناس إليه إلاّ وقد جاء فيه كتاب أو سنّة

۱.محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن حديد ، عن مُرازِمٍ ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال :«إنّ اللّه َ تبارك وتعالى أنزَلَ في القرآن تبيانَ كلِّ شيء ، حتّى واللّه ما تَرَكَ اللّه ُ شيئا يَحتاجُ إليه العبادُ ـ حتّى لا يَستطيعَ عبدٌ يقول : لو كان هذا اُنزلَ في القرآن ـ إلاّ وقد أنزَلَه اللّه ُ فيه» .

باب الردّ إلى الكتاب و السنّة وأنّه ليس شيء من الحلال والحرام وجميع ما يحتاج الناس إليه إلاّ وقد جاء فيه كتاب أو سنّة

قوله عليه السلام : (إنّ اللّه َ ـ تبارك وتَعالى ـ أنْزَلَ في القرآنِ تبيانَ كلِّ شيءٍ ، حتّى واللّه ِ ما تَرَكَ اللّه ُ شيئاً يَحتاجُ إليه العِبادُ ؛ حتّى لا يَستطيعَ عبدٌ يقولُ : لو كانَ هذا اُنزِلَ في القرآنِ إلاّ
وقد أنزَلَه اللّه ُ فيه)
.
«التبيان» ـ ويفتح ـ : تفعالٌ من البيان ، وهو مصدر شاذّ ، و«حتّى» الاُولى ابتدائيّة ، والثانية تعليليّة ، يتعلّق معنى التعليل فيها بعدم ترك اللّه شيئاً يحتاج إليه العباد ؛ بقرينة «لا يستطيع عبد» . ويحتمل تعلّقه به وبما قبله .
و«لو» للتمنّي ، مثلها في : لو تأتيني فتحدّثني .
والاستثناء من قوله عليه السلام : «ما ترك اللّه شيئاً يحتاج إليه العباد» كما في الحديث الذي بعد هذا من قوله عليه السلام : «لم يدع شيئاً يحتاج إليه الاُمّة إلاّ أنزله» .
والمعنى : أنّ اللّه سبحانه أنزل في القرآن بيان كلّ شيء ، بمعنى أنّه أنزل بيان حكم كلّ شيء وما يتعلّق به .
و«التبيان» يمكن أن يكون لكون بيانه تعالى ليس كبيان غيره ممّا قد يشوبه شيء ، فإنّ بيانه تعالى بيان غير مشوب بشيء ممّا ينافيه ومقطوع به .
ولا ينافيه عدم ظهور البيان كلّه لكلّ أحد ، فإنّ بيانه مخصوص بالنبيّ والأئمّة عليهم السلام ، وهم الذين يكشفون عن حقيقة ذلك البيان لغيرهم ، ولو ظهر لكلّ أحد تبيان كلّ شيء لم يحتج إلى أخذ الأحكام من الرسول ونوّابه عليهم السلام ، وممّا يترتّب على نصبهم كشفُهم وبيانهم عمّا في القرآن .
فإن قلت : ما وجه قوله عليه السلام : «حتّى واللّه ما ترك ... » فإنّه يغني عنه إنزال تبيان كلّ شيء في القرآن؟
قلت : يمكن أن يكون فائدته دفع توهّم عدم إنزال بيان بعض ما يحتاج إليه العباد فيما يستقبل ، أو فيما يتجدّد ويقع ولم يسبق له نظير ، أو أنّه إذا كان احتياجهم إليه قليلاً يمكن أن لا يكون منزلاً ، وهو كما يأتي من قوله عليه السلام : «حتّى أرش الخدش فما سواه ، والجلدة ونصف الجلدة» ۱ . أو لما اشتهر من قولهم : «ما من عامٍّ إلاّ وقد خصّ» أو هو بمعنى قدم الحجّاج حتّى المشاة ، ونحو ذلك .
وحاصل معنى «ما ترك اللّه شيئاً يحتاج إليه العباد إلاّ وقد أنزله اللّه تعالى» أنه ما تركه على حالة من الحالات إلاّ على حالة الإنزال أو ما أبقاه إلاّ عليها ، كما قيل في قوله تعالى : « وَ تَرَكْنَا عَلَيْهِ فِى الْأَخِرِينَ »۲ والترك من الأضدادِ ، فهو بمعنى الجعل أيضاً ، فيحتمل أن يكون المعنى ما جعله إلاّ على حالة الإنزال ، ويحتمل أن يكون بمعنى : ما تركه غير منزل ، وهو حاصل المعنى .
ويمكن اعتبار الاستثناء من قوله عليه السلام : حتّى لا يستطيع بتقرّب ما تقدّم ؛ واللّه أعلم .

1.راجع الحديث ۳ من هذا الباب .

2.الصافات (۳۷) : ۷۸ ، ۱۰۸ ، و۱۲۹ .


الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
454

۰.فإنّ كلّ سَبَبٍ ونَسَبٍ وقَرابةٍ ووَليجَةٍ وبِدعَةٍ وشُبهَةٍ مُنقَطِعٌ إلاّ ما أثبَتَهُ القرآنُ» .

وقوله عليه السلام : «فإنّ كلّ سبب ...» يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يراد بالوليجة الثانية وليجة خاصّة من نحو خاصّة الرجل وبطانته بقرينة النسب والقرابة ، فيكون عليه السلام بعد ذكره الوليجة الشاملة لجميع ما ذكر ذَكَرَ أفرادها وبَيَّنَ فسادها بأنّ كلّ سبب بقرابة سببيّة كالاعتماد عليها منقطع ، وكلّ نسب كذلك كان يعتمد الإنسان على قربه من النبيّ صلى الله عليه و آله مثلاً وعلى شرف آبائه وشأنهم أو على متابعتهم في اعتقاد فاسد ونحو ذلك ولا يعمل بما في الكتاب منقطعٌ ، أو كلّ سبب أعمّ ممّا ذكر يريد الإنسان التوصّل به في اُمور الدين ، ويكتفى به ويدخله فيه من غير أصل .
ومثل النسب القرابة والوليجة ، وكذلك البدعة إذا ابتدعها الإنسان في الدين أو تابعه عليها غيره ، فإنّها تنقطع ولا يبقى أثرها كما يبقى أثر ما أثبته الكتاب .
ومثلها الشبهة ، فإنّ جميع هذه الأشياء تنقطع ولا يترتّب عليها بعد انقطاعها فائدة كما يترتّب على غيرها ، وإن ترتّب لفاعلها ومرتكبها ما سمّاه فائدة في الدنيا .
الثاني : أن يكون المراد بالوليجة الثانية الوليجة الاُولى ، فيكون عليه السلام نهى أوّلاً عن اتّخاذ الوليجة من دون اللّه ، ثمّ ذكر وجه النهي عنها وذكر معها أشياء اُخر لا ينبغي الاعتماد عليها ، وهي السبب والنسب وبقيّة ما ذكر معها ، وأنّها ۱ مشاركة لها في الفساد .
إذا تقرّر هذا ، فالاستثناء يمكن اعتباره متّصلاً ، فيكون الاستثناء من كلّ سبب منقطع ، والمعنى : كلّ سبب منقطع إلاّ ما أثبته القرآن بحيث لا يكون داخلاً في الوليجة من دون اللّه ، أو يكون معنى لا تتّخذوا من دون اللّه وليجة : لا تتّخذوا غيره وسيلةً وملجأً وموصلاً إلى رضاه سوى ما أثبته القرآن ، فإنّه سبب موصل إلى اللّه لا ينقطع .
ويمكن اعتباره منقطعا باعتبار نفي الوليجة من السبب وغيره ، بمعنى أن لا يكون الاعتماد إلاّ على اللّه ، ولا يكون غيره متّخذا وليجة . وذكر «ما أثبته القرآن» لبيان طريق الاتّصال به تعالى دون غيره ، فإنّه يكون بما أثبته القرآن ، وحاصله : أنّ جميع الولائج تنقطع إلاّ التعلّقَ باللّه والاعتمادَ عليه ومتابعةَ ما يرضيه الثابتةَ بالقرآن .
واعلم أنّ ضمير «منقطع» يرجع إلى السبب ، ولا يجوز رجوعه إلى الجميع إلاّ على وجه بعيد ، وهو أن يقدّر بكلّ ذلك ، أو كلّ ما ذكر .
وهو كماترى .
وكان السرّ في إفراده ليرجع إلى السبب فقط ليكون الاستثناء منه ، فيكون متّصلاً ، ولا ينافي الاستثناء منه ذكر البواقي معه ، كما تقول : جاء الناس والخيل والدوابّ إلاّ زيداً ، وحينئذٍ فيقدّر للبواقي ما يناسبها من التذكير والتأنيث ، ولو رجع الضمير إلى الجميع لقيل «منقطعة» واللّه تعالى أعلم .

1.في «ج» : «فإنّها» .

  • نام منبع :
    الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
    سایر پدیدآورندگان :
    الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    اوّل
تعداد بازدید : 77838
صفحه از 715
پرینت  ارسال به