باب الرّد إلى الكتاب والسُنّة وأنّه ليس شيء من الحلال والحرام وجميع ما يحتاج الناس إليه إلاّ وقد جاء فيه كتاب أو سنّة
۱.محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن حديد ، عن مُرازِمٍ ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال :«إنّ اللّه َ تبارك وتعالى أنزَلَ في القرآن تبيانَ كلِّ شيء ، حتّى واللّه ما تَرَكَ اللّه ُ شيئا يَحتاجُ إليه العبادُ ـ حتّى لا يَستطيعَ عبدٌ يقول : لو كان هذا اُنزلَ في القرآن ـ إلاّ وقد أنزَلَه اللّه ُ فيه» .
باب الردّ إلى الكتاب و السنّة وأنّه ليس شيء من الحلال والحرام وجميع ما يحتاج الناس إليه إلاّ وقد جاء فيه كتاب أو سنّة
قوله عليه السلام : (إنّ اللّه َ ـ تبارك وتَعالى ـ أنْزَلَ في القرآنِ تبيانَ كلِّ شيءٍ ، حتّى واللّه ِ ما تَرَكَ اللّه ُ شيئاً يَحتاجُ إليه العِبادُ ؛ حتّى لا يَستطيعَ عبدٌ يقولُ : لو كانَ هذا اُنزِلَ في القرآنِ إلاّ
وقد أنزَلَه اللّه ُ فيه) .
«التبيان» ـ ويفتح ـ : تفعالٌ من البيان ، وهو مصدر شاذّ ، و«حتّى» الاُولى ابتدائيّة ، والثانية تعليليّة ، يتعلّق معنى التعليل فيها بعدم ترك اللّه شيئاً يحتاج إليه العباد ؛ بقرينة «لا يستطيع عبد» . ويحتمل تعلّقه به وبما قبله .
و«لو» للتمنّي ، مثلها في : لو تأتيني فتحدّثني .
والاستثناء من قوله عليه السلام : «ما ترك اللّه شيئاً يحتاج إليه العباد» كما في الحديث الذي بعد هذا من قوله عليه السلام : «لم يدع شيئاً يحتاج إليه الاُمّة إلاّ أنزله» .
والمعنى : أنّ اللّه سبحانه أنزل في القرآن بيان كلّ شيء ، بمعنى أنّه أنزل بيان حكم كلّ شيء وما يتعلّق به .
و«التبيان» يمكن أن يكون لكون بيانه تعالى ليس كبيان غيره ممّا قد يشوبه شيء ، فإنّ بيانه تعالى بيان غير مشوب بشيء ممّا ينافيه ومقطوع به .
ولا ينافيه عدم ظهور البيان كلّه لكلّ أحد ، فإنّ بيانه مخصوص بالنبيّ والأئمّة عليهم السلام ، وهم الذين يكشفون عن حقيقة ذلك البيان لغيرهم ، ولو ظهر لكلّ أحد تبيان كلّ شيء لم يحتج إلى أخذ الأحكام من الرسول ونوّابه عليهم السلام ، وممّا يترتّب على نصبهم كشفُهم وبيانهم عمّا في القرآن .
فإن قلت : ما وجه قوله عليه السلام : «حتّى واللّه ما ترك ... » فإنّه يغني عنه إنزال تبيان كلّ شيء في القرآن؟
قلت : يمكن أن يكون فائدته دفع توهّم عدم إنزال بيان بعض ما يحتاج إليه العباد فيما يستقبل ، أو فيما يتجدّد ويقع ولم يسبق له نظير ، أو أنّه إذا كان احتياجهم إليه قليلاً يمكن أن لا يكون منزلاً ، وهو كما يأتي من قوله عليه السلام : «حتّى أرش الخدش فما سواه ، والجلدة ونصف الجلدة» ۱ . أو لما اشتهر من قولهم : «ما من عامٍّ إلاّ وقد خصّ» أو هو بمعنى قدم الحجّاج حتّى المشاة ، ونحو ذلك .
وحاصل معنى «ما ترك اللّه شيئاً يحتاج إليه العباد إلاّ وقد أنزله اللّه تعالى» أنه ما تركه على حالة من الحالات إلاّ على حالة الإنزال أو ما أبقاه إلاّ عليها ، كما قيل في قوله تعالى : « وَ تَرَكْنَا عَلَيْهِ فِى الْأَخِرِينَ »۲ والترك من الأضدادِ ، فهو بمعنى الجعل أيضاً ، فيحتمل أن يكون المعنى ما جعله إلاّ على حالة الإنزال ، ويحتمل أن يكون بمعنى : ما تركه غير منزل ، وهو حاصل المعنى .
ويمكن اعتبار الاستثناء من قوله عليه السلام : حتّى لا يستطيع بتقرّب ما تقدّم ؛ واللّه أعلم .