۰.فيَشْتَبِهُ على من لم يعرِفْ ولم يَدرِ ما عَنَى اللّه ُ به ورسولهُ صلى الله عليه و آله ، وليس كلّ أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان يسألُه عن الشيء فيَفهَمُ ، وكانَ منهم من يسألُه ولا يَستَفهِمهُ ، حتّى أن كانوا ليُحِبّونَ أن يَجيءَ الأعرابيُ والطارِئُ ، فيسألَ رسولَ اللّه صلى الله عليه و آله حتّى يَسمعوا .
قوله عليه السلام فيه : (فيَشْتَبِهُ على مَن لَمْ يَعرِفْ ولم يَدْرِ ما عَنَى اللّه ُ به ورسولُ اللّه۱صلى الله عليه و آله ، وليس كلُّ أصحابِ رسولِ اللّه صلى الله عليه و آله كانَ يَسأَلُه عن الشيءِ فَيَفْهَمُ ، وكانَ منهم من يَسأَلُه ولاَ يَسْتَفْهِمُهُ ، حتّى أنْ كانوا لَيُحِبّونَ أن يَجِيءَ الأعرابيُّ والطارِئُ فيَسألَ رسولَ اللّه صلى الله عليه و آله حتّى يَسمَعوا) .
هذا الكلام منه عليه السلام لبيان أنّه لم يكن كلّ أصحابه عليه السلام كان [ يسأل ] وإن سأل يفهم ما يجيبه به على وجهه ، وكان منهم من يسأله ولا يستفهم منه ما معناه ، وذلك إمّا لتقصير أو احترام أو نحو ذلك،فكانوا يكتفون بما يسمعون، ولايعرفونه على وجهه.
ويفهم منه أنّ بعض أصحابه غيره عليه السلام ربما كان يسأل ويفهم ويستفهم ولو في الجملة ، وأمّا هو عليه الصلاة والسلام فكان يسأل ويفهم ويستفهم ، وإذا لم يسأل ولو يستفهم أفهمه صلى الله عليه و آله وابتدأه ليكون الحجّةَ بعده على اُمّته ، فلم يكن فيهم مثله .
وفي الحديث دلالة على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب ، وعن وقت
الحاجة غير معلوم .
فإن قلت : إذا كان إرسال الرسول ليبيّن للناس ، فما وجه كونه يأتي بالكلام متشابها وذا وجهين ۲ ، ولم يأت به محكماً وعلى وجه واحد ؟ والقرآن لمّا كان الرسول صلى الله عليه و آله مبيّناً له ، أتى فيه بما ذكر .
قلت : يمكن أن يكون الوجه الذي في القرآن بعينه جارياً في أمر الرسول عليه الصلاة والسلام ، فكان عليه السلام يأتي به على هذا الوجه ليرجع بيانه إلى من يقوم مقامه ، أو إلى سؤال منه ونحو ذلك،فإنّ في ذلك اعتناءً بأمر المسائل الدينيّة والتفحّص عنها وأخذها من أهلها على الوجه المعتبر لمصلحة في ذلك ، ووجوه المصلحة كثيرة .
و«ما» في قوله عليه السلام : «ما عنى» موصولة تنازع فيها «يشتبه» و«يعرف» و«يدري» . الأوّل يقتضي الفاعليّة ، والثاني والثالث المفعوليّة . ويحتمل أن يكون فاعل «يشتبه» و«لم يعرف» و«لم يدر» من قبيل زيد يعطي ويمنع بمعنى الاشتباه على من ليست له معرفة ودراية .
ويحتمل أن يكون «يعرف» و«يدري» تنازعا الموصولَ ، وفاعل «يشتبه» : «ذلك» أو «ما تقدّم» ونحوه ، ورجوع الضمير إلى ما تقدّم بتقديره ذلك ، ونحوه كثير في الكشّاف وغيره .
قال السيوطي في شرح شواهد المغني : قال أبو عبيدة : قلت لروبة : إن أردت بقولك «كأنّه» : كأنّ الخطوط ، فقل : «كأنّها» أو كأنّ السواد والبلق ، فقل : كأنّهما ، فقال : أردت كأنّ ذلك . وبيت روبة :
فيها خطوط من سواد وبلقكأنّه في الجلد توليع البهق۳.
1.في الكافي المطبوع وأكثر نسخه : «رسوله» بدل «رسول اللّه » .
2.في «ج» : «متشابها ذا وجهين» .
3.انظر : التبيان ، ج ۱ ، ص ۲۹۶ ؛ تفسير القرطبي ، ج ۱۳ ، ص ۳۱۲ ، وفيه : «أردت كلّ ذلك» بدل «أردت كأنّ ذلك» ؛ الصحاح ، ج ۳ ، ص ۱۳۰۴ .