487
الدرّ المنظوم من كلام المعصوم

۰.مسائلي ابْتَدَأني ، فما نزلَتْ على رسول اللّه صلى الله عليه و آله آيةٌ من القرآن إلاّ أقْرَأنيها وأملاها عَلَيَّ ، فكتبتُها بخطّي ، وعَلَّمَني تأويلَها وتفسيرَها ، وناسخَها ومنسوخَها ، ومحكمَها ومتشابِهَها ، وخاصّها وعامَّها، ودعا اللّه أن يُعطِيَني فهمَها وحفظَها، فما نسيتُ آيةً من كتاب اللّه ولاعلما أملاه عَلَيَّ وكتبْتُه منذُ دعا اللّه لي بما دعا ، وما ترك شيئا علَّمَه اللّه ُ من حلال ولا حرام ، ولا أمرٍ ولا نهيٍ ، كان أو يكون ، ولا كتابٍ مُنزَلٍ على أحد قبلَه من طاعة أو معصية إلاّ

قوله عليه السلام فيه : (فما نَزَلَتْ على رسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله آيةٌ من القرآن إلاّ أقْرَأنِيها وأملاها عَلَيَّ ، فَكَتَبتُها بخَطّي ، وعَلَّمَني تأويلَها وتفسيرَها ، وناسِخَها ومنسوخَها ، ومُحكمَها ومتشابِهَها ، وخاصَّها وعامَّها) .
الظاهر أنّه ليس المراد أنّ في كلّ آية ناسخاً ومنسوخاً ، ومحكماً ومتشابهاً ، وخاصّاً وعامّا ، كما قد يدلّ عليه ظاهر العبارة ، بل المراد ـ واللّه أعلم ـ تعليمه عليه السلام كلّ ما يتعلّق بتلك الآية ممّا ذكر ، سواء اجتمع الجميع في آية أو بعضُه ، أو أنّ جميع الآيات كان يفعل معه فيها ما ذكر ، فما كان فيه ناسخ ومنسوخ ومحكم ومتشابه وخاصّ وعامّ أو بعض ذلك علّمه إيّاه .
ويحتمل أن يكون ۱ الضمائر من قوله عليه السلام : «وعلّمني تأويلها» إلى الآخر راجعةً إلى الآيات ، لا إلى الآية ، وما قبله من الضمائر راجع إلى الآية .
وقوله عليه السلام : «فكتبتها بخطّي» من قبيل قولك : كتبتُه بيدي . ومثله يفيد التأكيد ، ودفع ۲ توهّم التجوّز بأن يكون من قبيل بنى الأمير المدينة ؛ واللّه أعلم .
قوله عليه السلام فيه : (ودَعا اللّه َ أن يُعطِيَني فهمَها وحفظَها ، فما نسيتُ آيةً من كتابِ اللّه ِ ولا علماً أملاه عَلَيَّ وكتبتُه منذ دعا اللّه َ لي بما دعا) .
معناه ـ واللّه أعلم ـ أنّه عليه السلام كان كلّ ما علّمه شيئاً دعا له ، فما نسي من ذلك الوقت شيئاً . وعلى الاحتمال الأخير السابق لاينافي كون الدعاء بعد كلّ آية ، كما لا ينافي التأويل والتفسير وما بعده .
فإن قلت : ظاهره أنّ سبب عدم نسيانه عليه السلام شيئاً دعاؤه له ، والإمام لا يجوز عليه النسيان .
قلت : إن جاز على الإمام النسيان قبل منصب الإمامة فالأمر ظاهر ، فإنّه عليه السلام ببركة دعائه صلى الله عليه و آله لم ينس شيئاً قبل أن يصل الأمر إليه ؛ وإن لم يجز مطلقا فلا بُعد في أن يكون دعاؤه له عليهماالسلام له دَخْل ۳ في عصمته من النسيان بعد الدعاء ، وقبله لم يكن وقع منه ذلك بعصمة من اللّه ، على أنّه لا يلزم وقوع النسيان لو لم يكن الدعاء ؛ فتأمّل .
وهذا من قبيل دعائه عليه السلام لأهل بيته بقوله : «اللهمّ أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً» ۴ . ويحتمل هذا ونحوه غير ما ذكر ؛ واللّه تعالى أعلم .

1.في «ألف ، ب» : «أن تكون» .

2.في «ألف ، ب» : «رفع» .

3.في «ج» : «ليدخل» بدل «له دخل» .

4.الأمالي ، للطوسي ، ص ۳۶۸ ، المجلس ۱۳ ، ح ۳۴ ؛ مسند أحمد ، ج ۶ ، ص ۳۹۸ و ۳۰۴ ؛ سنن الترمذي ، ج ۵ ، ص ۳۵۲ ، ح ۳۲۰۶ ؛ جامع البيان ، للطبري ، ج ۲۲ ، ص ۱۰ ؛ تفسير القرطبي ، ج ۱۴ ، ص ۱۸۳ ؛ الدرّ المنثور ، ج ۵ ، ص ۱۹۸ .


الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
486

۰.وقد كنتُ أدخلُ على رسول اللّه صلى الله عليه و آله كلَّ يومٍ دَخْلَةً وكلَّ ليلةٍ دَخْلَةً ، فيُخليني فيها ، أدورُ معه حيث دارَ ، وقد عَلِمَ أصحابُ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّه لم يَصْنَعْ ذلك بأحدٍ من الناس غيري ، فربّما كان في بيتي يأتيني رسولُ اللّه صلى الله عليه و آله أكثَرُ ذلك في بيتي ، وكنتُ إذا دخلتُ عليه بعضَ منازله أخلاني وأقام عنّي نساءه ، فلا يبقى عنده غيري ، وإذا أتاني للخلوة معي في منزلي لم تَقُمْ عنّي فاطمةُ ولا أحدٌ من بَنِيَّ ، وكنتُ إذا سألتُهُ أجابَني ، وإذا سَكَتُّ عنه وفَنِيَتْ

قوله عليه السلام فيه : (فَيُخْليني فيها أدوُرُ معهُ حيثُ دارَ) .
قال الشيخ بهاء الدين قدّس سرّه :
«يخلّيني» إمّا من الخلوة أو من التخلية ، أي يتركني أدور معه حيث دار . والظاهر أنّه ليس المراد الدورانَ الجسميَّ ، بل العقليَّ . والمعنى : أنّه صلى الله عليه و آله كان يطّلعني على الأسرار المصونة عن الأغيار ، ويتركني أخوض معه في المعارف اللاهوتيّة والعلوم الملكوتيّة التي جلّت عن أن تكون شريعة لكلّ وارد ، أو يطَّلع عليها إلاّ واحد بعد واحد .
«وعَلَّمَني تأويلَها وتفسيرَها» .
«التأويل» : إرجاع الكلام وصرفه عن معناه الظاهري إلى معنى أخفى منه مأخوذ من آل يؤول إذا رجع . وقد تقرّر أنّ لكلّ آية ظهراً وبطناً . والمراد أنّه صلى الله عليه و آله اطّلعه عليه السلام على تلك البطون المصونة ، وعلى تلك الأسرار المكنونة .
و«التفسير» لغة كشف معنى اللفظ وإظهارُه ، مأخوذ من الفسر ، وهو مقلوب السفر ، يقال : أسفرت المرأة عن وجهها : إذا كشفته ، وأسفر الصبح : إذا ظهر . وفي الاصطلاح علم يبحث فيه عن كلام اللّه المنزّل للإعجاز من حيث الدلالة على مراده سبحانه .
انتهى كلامه أعلى اللّه مقامه . ۱

1.الأربعون حديثا ، ص ۲۹۵ .

  • نام منبع :
    الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
    سایر پدیدآورندگان :
    الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    اوّل
تعداد بازدید : 98504
صفحه از 715
پرینت  ارسال به